تتعدد الموضوعات التي يمكن دراسة وفهم الحكم الراشد من خلالها، ويأتي موضوع الفساد على قمة هذه الموضوعات؛ لما يمثله الفساد من مشكلة كبيرة تخطت كل الحدود وتحدت كل الجهود، أيضاً بسبب العلاقة العكسية الوثيقة بين الفساد والحكم الراشد، فوجود الحكم الراشد يعني اضمحلال ظاهرة الفساد بل وغيابها، كما أن انتشار الفساد مؤشر قوي على فساد الحكم وغياب الرشد فيه.
إن الخطورة الكبيرة في ظاهرة الفساد أن الفساد قد تحول، أصبحت تعرف بثقافة الفساد، مما شجع الفاسدين على ممارسة الفساد علانية، لا مراعاة لحرمة الفساد، ولا خوفاً من الله، ولا حياءً من الناس، بل يمكن القول بأن بعض صور الفساد صارت كالجينات الوراثية في بعض المجتمعات، وصار الإنكار ليس على الفاسدين بل على الصالحين المصلحين الذين باتوا غرباء في حياتهم وسط هذا الزخم الكبير والظلام الدامس لظاهرة الفساد.
تتلخص أهم أهداف هذا البحث في بيان العلاقة بين الفساد والحكم، وإظهار دور الحكم الراشد في مكافحة الفساد، بين المرجعية الإسلامية والفكر المعاصر.
كما اتبع البحث ثلاثة مناهج بحثية هي؛ المنهج الوصفي، والمنهج التحليلي، والمنهج المقارن في المكونات والخطوات الإجرائية للبحث، بجانب مناهج التوثيق المعروفة في توثيق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمصادر والمراجع القديمة والحديثة.
لذا يشتمل البحث بالإضافة إلى المقدمة والنتائج والتوصيات على ثلاثة فصول؛ يضم الفصل الأول مفاهيم عامة عن المصطلحات الرئيسة التي تشكل عنوان ومحتوى البحث وموضوعاته الرئيسة، مثل؛ الفساد، والحكم الراشد، ومكافحة الفساد. بينما يحتوي الفصل الثاني على صور الفساد المالي والإداري، وأسباب الفساد في المجالين المالي والإداري، بجانب آثار الفساد السلبية في الفرد والمجتمع. أما الفصل الثالث فيحتوي على دور الحكم الراشد في مكافحة الفساد من خلال بيان قواعد الحكم الراشد وآليات المكافحة بين المرجعية الإسلامية والفكر المعاصر في بناء الدولة السياسي.
يهدف البحث إلى:
- بيان مفهوم الحكم الراشد وقواعده.
- بيان مفهوم الفساد خاصة المالي والإداري، موضوع هذا البحث، بجانب التعريف بمكافحة الفساد.
- دراسة صور الفساد المالي والإداري وأسبابها وأثرها في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، للفرد والمجتمع والدولة والأمة.
- توضيح دور الحكم الراشد في مكافحة الفساد بين المرجعية الإسلامية والفكر المعاصر.
- التوصل إلى نتائج يمكن الاستفادة منها، وتوصيات فعالة يمكن تطبيقها لمكافحة الفساد من خلال منظومة الحكم الراشد.
ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث؛ أن ظاهرة الفساد أصبحت ظاهرة متشابكة نسجت خيوطها على الجوانب الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية، وأنها تحتاج إلى أساليب غير تقليدية وصارمة في التعامل معها، وأن هناك علاقة عكسية بين الحكم الراشد والفساد، فوجود أحدهما يعني غياب الآخر، بجانب أن المنهج الإسلامي والفكر المعاصر في مجال سياسة وأنظمة الحكم، والتي تمخضت عن منظومة الحكم الراشد، قد اشتملا على الكثير من القواعد في الحكم الراشد والآليات التي يمكن استخدامها في مكافحة ظاهرة الفساد.
كما يوصي البحث بتطبيق قواعد وآليات الحكم الراشد للقضاء على ظاهرة الفساد، كما يوصي بالمزيد من الدراسات الأخرى في هذا المجال والتي من أهمها تقديم الأطر ودلائل العمل والإستراتيجيات المفصلة لكيفية المكافحة لكل صورة من صور الفساد المالي والإداري.