في زمن القرية الواحدة والشبكة العالمية اللامتناهية في الدقة، أصبح تحول مختلف اقتصادات العالم من أدائها التقليدي لآخر يواكب المتغيرات أمرا لابد منه، الأمر الذي جعل من تطبيق الذكاء الاقتصادي ضرورة قصوى لا تقتصر على الدول وإنما أصبح ضرورة في ظل تطورات البيئة وازدياد حدة المنافسة لكل المؤسسات الاقتصادية مهما كان حجمها؛ صغيرة متوسطة وكبيرة الحجم.
"إن الذكاء الاقتصادي بمفهومه الإداري يتعلق بالتسيير الاستراتيجي للمعلومات، بحيث يعد توليفة لوظائف الاستعلام، حماية المعلومات والتأثير على البيئة. لذلك بات على مختلف المؤسسات أن تهتم ببلورة ذلك من خلال توقع التهديدات والفرص وتقليل حالة المخاطرة وضمان حماية المعلومات والابتعاد عن التماثل، كما أنها أصبحت معنية بممارسة التأثير على المحيط من خلال الضغوط المعلوماتية والخروج من دائرة المتعامل السلبي والتابع الكلي لتغيرات السوق" [1] .
من اقتصاد الكم إلى اقتصاد النوع.. «سباق المعلومة»
إن العولمة باختصار قد خلقت تحديات جديدة ومتعددة جعلت المؤسسة مجبرة على القيام بقفزة نوعية من اقتصاد الكم إلى اقتصاد النوع المعتمد على المعرفة، أين باتت المعلومة تشكل أهمية بالغة، حيث تعتبر فيه المورد الاستراتيجي وبجدارة، فمنطلق الإبداع والتميز ينبع من تفرد المعلومة وحجم موثوقيتها، فما يقوم عليه الاقتصاد الحالي بات أكبر من مجرد تعاملات فقط بل نجده يأخذ منحى تنافسي قوي من باب جمع المعلومات الهامة والمعنية بمختلف الجزئيات التي تهم المؤسسة وتسهم في تطويرها وكذلك محاولة استشراف الأحداث وتحليلها قبل غيرها من المؤسسات.
ومن هنا برزت فكرة الذكاء الاقتصادي الذي يعد من أهم وأحدث الأنظمة التي تضمن للمؤسسات الحفاظ على مكانتها في سوق المنافسة، ولإدخال عملية الذكاء الاقتصادي في المؤسسة وجب إحداث تغيرات تنظيمية وإجرائية في نشاطها، حتى تستطيع وضع نظام للذكاء الاقتصادي يساهم في دعم الميزة التنافسية للمؤسسة.
«إمساك مؤسستك لزمام المبادرة».. إليك أهمية الذكاء الاقتصادي
حين ننطلق من تعريف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نجد أنه يركز على حجمها وكذلك الميزانية وعدد اليد العاملة فيه والتي تعتبر أقل من نظيرتها في المؤسسات الكبرى، ولأن المسعى الحقيقي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو التطوير الحقيقي والاستثمار الجيد في المعطيات والموارد فإن حاجتها للذكاء الاقتصادي تكون ملحة وقوية، خاصة حين نعلم أن الذكاء الاقتصادي يساعد المؤسسات على إمساك زمام المبادرة عبر رصد للميول والقيام بالتوقعات. فهو برمجة للعقل المؤسساتي، حيث يشكل صمام الأمان أمام المخاطر وقوة دافعة لتحقيق المشاريع المأمولة.
كما أن الذكاء الاقتصادي يساعد على دراسة التفاعل والتنسيق بين كافة مستويات المؤسسة، هذا ويمكن الذكاء الاقتصادي من التحكم في المعارف والخبرات عبر تخزين محكم للمعلومات بقواعد البيانات، تقوية الإبداع وإنتاجية الأفكار بالمؤسسات ثم التشبيك المعرفي و التبادل الفكري بين أعضاء المؤسسة.
كما يرصد الذكاء الاقتصادي من خلال تكنولوجيا الخاصة به الفرص المتعلقة بالتطوير التكنولوجي وتلك التي تهم البحث عن شراكات وتحالفات استراتيجية وعن أسواق جديدة وترصد التهديدات الناجمة عن بيئة المؤسسة وعن الترسانة القانونية الموجودة.
كما يلعب الذكاء الاقتصادي دوراً هاماً في تناغم الأنشطة والتنسيق بين الفاعلين، يتجلى ذلك في صياغة حلقات لنقل المعلومة وتوجيه الفاعلين بالمؤسسة إلى هدف موحد.
بالإضافة إلى قيام الذكاء الاقتصادي بوضع استراتيجيات للضغط، تستثمر المعلومة للحصول على مكاسب تنافسية، فضلاً عن توطيد الذاكرة التنظيمية عبر نظام معلوماتي حديث ومحصن، من هنا نجد أن تطبيقه لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة هو على قدر كبير من الأهمية والفاعلية.
"هذا ويضاف للذكاء الاقتصادي بكونه يعمل علي تشجيع تنافسية المؤسسات عن طريق غزو الأسواق، ويضمن الأمن الاقتصادي عن طريق سن القوانين والأنظمة، ودعم سياسة التأثير وخاصة على مستوى الهيئات المعروفة بإعدادها للنظم والمعايير التي تدير الحياة الاقتصادية" [2]
في 4 خطوات.. كيف تتمكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تفعيل الذكاء الاقتصادي؟
ولأن أهمية الذكاء الاقتصادي باتت جلية لمختلف المؤسسات حتى الصغيرة منها والمتوسطة فإن اعتماده بات ضرورة ملحة وقصوى لمختلف المؤسسات الطامحة للتطوير والانتقال نحو الأفضل من ناحية الفاعلية والإنتاج، ولأن طموح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يدور حول ذلك فإنها بالضرورة معنية بتفعيل الذكاء الاقتصادي أيضا.
ولحصول ذلك فإن المؤسسة بحاجة لتوفير العديد من التقنيات والمهارات التي تساعد في تفعيل الذكاء الاقتصادي.
وتحتاج في ذلك إلى إتباع الكثير من الخطوات والسياسات من بينها:
- الاستخدام الاستراتيجي والتكتيكي للمعلومة ذات المزايا التنافسية في اتخاذ القرارات .
- وجود إدارة قوية لتنسيق جهود الأعوان الاقتصاديين .
- وجود علاقات قوية بين المؤسسات والجامعات والإدارات المركزية والمحلية .
- تشكيل جماعات الضغط والتأثير.
- إدماج المعارف العلمية،التقنية،الاقتصادية،القانونية والجيوسياسية.
- السرية في نشر المعلومات والحصول عليها بطريقة شرعية." [1]
كما أن تطبيق الذكاء الاقتصادي يعتمد على مراحل وهي:
-
تحديد الحاجة للمعلومة :
"و هو أمر ليس صعب في أغلب الحالات ، فليس من الضروري توفير الوسائل الحديثة ، و إنما يكفي في أغلب الحالات أن نطلب بمهارة : ما هي المعلومات التي نرغب في الحصول عليها ؟ .
و هو ما يتطلب من المتخصصين في الذكاء الاقتصادي معرفة جيدة بتنظيم المنظمة
-
جمع المعلومة :
بمجرد تحديد الحاجة للمعلومة ، يتم اختيار أشكال للبحث عن هذه المعلومة.
-
معالجة المعلومة :
إن معالجة المعلومة هي أساس الذكاء الاقتصادي ، فهذا الإجراء يعتمد أساسا على قيمة المعلومة بالنسبة للمستعمل .و تعني المعالجة تجميع كل المعطيات المحصل عليها من أجل تحليلها بشكل متجانس . و تعتبر ترجمة المعلومة خطوة أساسية لإجراء المعالجة . فهي تعطي صورة تحليلية ، غنية لكل المعلومات التي تكون مختفية دائما في سطور الوثائق .
-
بث المعلومة:
إن الخطوة الموالية للخطوات الثلاث السابقة هي إعطاء قيمة لهذه المعلومة ببثها داخل المؤسسة حتى تساهم في خلق قيمة مضافة"[4]
إن أهمية الذكاء الاقتصادي في وقتنا الحاضر جعلت منه مطلبا مهما وخطوة ضرورية لتحقيق التقدم في مختلف اقتصادات الدول وانتقل ذلك بالضرورة لمختلف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وذلك للالتحاق بركب التنافسية وتحقيق أهداف قد تسهم في تطوير وتوسيع الأعمال بشكل جيد.