مع تطور الرصيد الإنساني الضخم من المعارف والخبرات، تنوعت وتعددت وتشعبت مجالات الحياة، وأصبح التخصص لازمة أساسية من أساسيات الحياة، حيث بلغ الابداع والجمال والكمال مبلغا عاليا في كل تخصص من التخصصات، ما فرض نوعا من المنافسة الحادة، ويمكننا القول في كثير من المجالات أنه لم يعد لغير المحترفين مكانا فى هذا المجال وربما في هذا العالم.
وقد كان للصحافة دورا كبيرا فى هذا النمو الذي بلغته الإنسانية، وبما أن الصحافة هي ضمير ونبض الأمة وأحد عناصر القوة الدافعة والمحركة له فى كثير من الأحيان، تطورت الصحافة بشكل طبيعي لتتمكن من الاستمرار في أداء دورها الفاعل في الإصلاح والتنمية، وظهر وترسخ مفهوم الصحافة المتخصصة المحترفة فأصبحنا نرى الصحافة الفنية، والاقتصادية والإدارية والرياضية والسياسية والاجتماعية والعسكرية.. كلها تمارس دورًا فى تحقيق أكبر قدر ممكن من توعية الجماهير وكشف الحقائق وإبراز جوانب التميز واعلائها وتكريمها وحث الجميع على الاستفادة منها، وفى نفس الوقت تقديم النقد والنصح واستدراك جوانب وعناصر الضعف على الإصلاح والنهوض، كل هذا بالتأكيد بجوار الدور الأساسي في التغطية الصحفية الخبرية الواعية.
ويمكن بيان الدور الهام للصحفي المتخصص في شكل مجموعة من القدرات الكبيرة التى يمتلكها والتي لا تتوافر لكثير من الناس:
1 ـ قدرته على الغوص فى أعماق الحدث وفهمه بشكل جيد وتناوله بالشكل المناسب الذي يفهمه المتخصص والعوام.
2 ـ قدرته على فهم نبض ومطالب الجماهير المرتبطة بالتخصص بشكل مباشر أو غير مباشر وترجمتها بالشكل التخصصي المناسب وعرضها لمقترح أو إثارة الموضوع ولفت الانتباه إليه وربما المطالبة به.
3 ـ قدرته على القيام بدور الاستشاري الذى يتفاعل مع جمهوره من القراء ويترجم ويقدم لهم ما لديه من خبرات ومعارف وعلوم تخصصية لحل مشاكلهم والتعاون معهم من أجل النهوض بأنفسهم والنهوض بمجال التخصص.
4 ـ قدرته وحاسته الصحفية الخاصة تجاه محاولات التلاعب بعقول الجماهير والانحراف والزلل والتلاعب بمقدرات الجماهير، فيتمكن من الوقوف الموضوعي على حقيقة الأمر ليتعامل معه كما ينبغي وفق المبادىء والقيم الصحفية الراشدة.
5 ـ قدرته على الرؤية الواسعة الشاملة لمجال تخصصه ودوره فى المجتمع ككل ودعائم نهوضه ومعوقات تقدمه وكافة عناصر المنظومة الخاصة به خاصة عندما يكون على درجة عالية من التواصل والتفاعل مع الجمهور من جهة، ومن جهة أخرى مع مستجدات هذا التخصص محليا وإقليميا وعالميا، مما يمكنه من تكوين تصورات واضحة وموضوعية تصلح كرحم للأفكار الجادة التى تنمي وتوجه ميول المجتمع بشكل جيد.
والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة في مشاكل معقدة تم حلها، ومقترحات جادة أخذت موقعها فى التنفيذ الفعلي، وموضوعات وأفكار معينة أصبحت تأخذ حيزا كبيرا من اهتمامات الناس بعد أن كانت في طي النسيان، وموضوعات هامة ومصيرية كانت تمثل ألغازا كبيرة لعموم المجتمع يصعب عليه فهمها لما فيها من تخصص وعمق وصعوبة فى العرض والتناول، وقد أصبح عموم الشارع يدركها جيدا ويتفاعل معها ويشارك فيها أحيانا.