أقود فريقا واسعا من المستشارين الاقتصاديين ومدققي الحسابات بحيث نقدم خدماتنا الاستشارية لشركات عملاقة وضخمة جدًا منها عالمية أيضًا، نحن من يدير ويشرف على الجانب المالي والاقتصادي للشركات وبحكم عملي ألتقي كثيرًا برؤساء الشركات وأصحاب القرارات فيها، فمثلًا قبل أسبوع تقريبًا؛ هاتفتني رئيسة إحدى الشركات وطلبت أن نلتقي لجلسة عمل ضرورية ولتعذّر التنسيق بيننا وبسبب ضيق الوقت قررنا أن نلتقي خارج مقر الشركة وبعد ساعات العمل، دعتني إلى منزلها.

لمّا وصلتُ إلى العنوان، منزلها من الخارج يدل على ثراء مبالغ فيه وثروة مكينة تقدّر بالملايين ربما، فلمّا طرقت الباب فتحت لتستقبلني عجوز كبيرة السن، فأوحت وسمحت لي بالدخول لنباشر العمل.   

بينما نحن نعمل وأعرض لها الأرقام والوضع المالي للشركة؛ قاطعتني وقالت: أنا لا أفقه شيئًا مما تقول -تقصد الارقام والتقارير المالية التي أعرضها- بإختصار هل وضع الشركة جيد أم لا؟ 

تعجبت وظننتها تستهزئ بي؛ كيف لرئيسة شركة عملاقة ضخمة وإحدى أنجح الشركات بالعالم أن تقول هذا الكلام؟ ماذا تقصدين بأنك لا تفهمي الأرقام التي أعرضها؟  

قالت؛ فقط أخبرني أين نجحنا وأين فشلنا، لا أريد أن أسمع أكثر من ذلك، كلمات قليلة وبسيطة!

ثمَّ بدأت تحدثني قصتها كيف توفى زوجها البليونير بسكتة قلبية، وفجأة أصبحت هي الوريثة الوحيدة لشركة ضخمة لا تعلم عنها شيئا، في أول اجتماع لها مع مجلس الإدارة اعترفت بجهلها التام بمنتجات الشركة، اعترفت بأنها لا تفرق بين رقائق الذرة ورقائق الكمبيوتر ولا بين لوحة المفاتيح ولوحة تقطيع البصل؛ ولكنها تؤمن بضرورة غلق أبواب الفشل وفتح أبواب النجاح على مصراعيها.

لم يفهم أعضاء الإدارة قصدها فقالت: ابحثوا عن أكثر المنتجات ربحا وضاعفوا إنتاجها، وأكثر المنتجات خسارة وتوقفوا عن انتاجها، هكذا بكل بساطة.

وبعد سنتين من تطبيق هذا المبدأ ارتفعت أرباح الشركة خمسة أضعاف (بفضل احتكارها للمنتجات الناجحة) وتقلصت تكاليف الإنتاج إلى النصف (بفضل إغلاق خطوط الإنتاج الفاشلة)..

لم تكن السيدة متخصصة في أي مجال ولكنها تتبنى مبدأ في حياتها يضمن النجاح في كل مجال، تعرف أين تركز جهودها وتدرك أن احتمال الفشل يرتفع حين نبالغ في طرح الحلول المعقدة!

عندها تذكرت السيرة النبوية فكانت السيدة عائشة تقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خُير بين أمرين إلا واختار أيسرهما" .. هكذا بكل بساطة، لا دراسات ولا مشاورات ولا إجراءات بيروقراطية، أفعل مثله واختر من القرارات أيسرها وأبسطها تنفيذا ثم أترك التوفيق بيد الله.

قد تستغربوا أكثر، فمثلاً توماس أديسون قدم ألف اختراع وأنشأ شركات عظيمة (كشركة جنرال اليكتريك) ومع هذا كان يغرس مسمارين كبيرين في الجدار المقابل لمكتبه..الأول يضع فيه الفواتير التي يجب عليه تسديدها، والثاني الفواتير التي يطالب الناس بتسديدها، نعم هكذا بكل بساطة.

والأجمل من كل ماسبق، هـو أن الحـل الأكثر بساطة يظل دائما الأقرب للصحة والنجاح ولذلك يهمني شخصيا فهمك للفكرة الأكبر والأعـم؛ وهي تبسيط قراراتك في الحياة ووضع مبادئ تعينك على اتخاذها بسرعة وفعالية، وخصوصًا لو كنت مبادر أو رجل أعمال أو ريادي..لا يشترط أن تكون لديك خبرة في المجال المالي أو الاقتصادي، ولكن حتمًا لا بد لك من مبادئ تؤمن بها لتكون إداريا وقياديا مثل تلك العجوز، وأنا شخصيا لدي مبادئ ثابتة تساعدني على حسم مواقف كثيرة طارئة أو محيرة في حياتي، فأنا مثلا:

- حين أخير بين أمرين أشتري أكثرهما جودة.. مهما غلا الثمن.

- وحين لا أستعمل الشيء خلال عام أتخلص منه فـورا.

- وحين أختلف مع والداي أعود لرأيهما في النهاية.

- وحين يفشل الكتاب في جذبي من أول فصل (أو الفيلم في أول 15 دقيقة) أهجرهما إلى الأبد.

- كما لا أستدين ولا ألجأ للتقسيط ولا أشتري شيئا مستعملاً.

- كما لا أرد علنا (في مواقع التواصل الاجتماعي) ولا أدخل في نقاشات بيزنطية لا تنتهي لحل (وما أكثرها في مجتمعنا).

وبهذه الأمثـلة نكون قد تعرفنا على عدة مبادئ، وأرجو أن تساعدك على ابتكار مبادئك الشخصية والخاصة، مبادئ تُبسط بها حياتك، وتحسم من خلالها قراراتك، وتنقذك من الحيرة والتردد والخوض في تفاصيل الموقف الصغيرة.