حاورته عائدة خليفي
نستضيف في هذا الحوار الدكتور سامي العدواني مستشار الشبكة العربية للتنمية المستدامة، المنتدى العربي للتنمية المستدامة، للحديث عن «كيف تساهم مؤسسات المثلث الذهبي في إعادة البوصلة صوب التنمية المستدامة؟»
تُطالعون في هذا الحوار:
التنمية المستدامة:
- نبذة عن التنمية المستدامة عامة وعن الشبكة العربية للتنمية المستدامة خاصة.
- كيف يمكن للمؤسسات أن تساهم في تحقيقها؟ وما هي الفائدة التي تعود عليها بذلك؟
- ما هي الأسباب التي تجعل بعض المؤسسات اليوم تستمر في تجاهلها رغم أهميتها؟
- أين تكمن صعوبة تحقيقها عند المؤسسات حديثة النشأة؟
- كيف يمكن أن تخدم الاقتصاد الإسلامي أمام التنافسية العالمية الضخمة؟
- هل هناك خطة عملية لتوسيع دائرة اعتمادها في مختلف المؤسسات في العالم الإسلامي؟
- ما هي الإضافات التي قدمتها الشبكة العربية للتنمية المستدامة لمختلف القطاعات والمؤسسات في الوطن العربي؟
- ما مستقبلها في العالم العربي والإسلامي؟
نسعد في "عمران" باستضافة الدكتور الفاضل سامي العدواني، بداية لو تشرح لقراءنا ما نعنيه بالتنمية المستدامة عامة..
التنمية المستدامة "SDGs”هي تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على إشباع حاجاتها كما جاء في تعريف بورتلاند عام 1987م حين كان رئيساً للجنة البيئة والتنمية في الأمم المتحدة، بمعنى أبسط "استثمار الموارد واستدامة العوائد"، مرت بأطوار ومراحل من العام 1972م وصولاً إلى العام 2015م، وقد وجدت قبولها من 194 دولة أبرمت اتفاقاً يقضي بالتزامها المضي في مسار التنمية المستدامة باعتبارها أطواق نجاة للناس والكوكب تعزز الأمن والرخاء.
جزء من أهمية التنمية المستدامة أنها تقوم باستشراف الحالة الاقتصادية للأجيال اللاحقة، كذلك الحالة التي تمكن من إشباع حاجيات الأجيال الحالية وتحقيق رفاهيتهم (بما في ذلك الفقراء منهم)، آخذة بعين الاعتبار تحديات الحفاظ على الأنظمة البيئية ومحدودية الموارد الطبيعية القابلة للتجدد.
كيف يمكن للمؤسسات أن تساهم في تحقيق التنمية المستدامة؟ وما هي الفائدة التي تعود عليها بذلك؟
يتشارك في إنفاذ أهداف التنمية المستدامة ثلاثة قطاعات حيوية تشكل أضلاعها المثلث الذهبي (القطاع العام والخاص والمجتمع المدني)، إن تكامل هؤلاء الشركاء كفيل بأن يعيد البوصلة صوب التنمية المستدامة ومن خلفهم الأكاديميون والمنظمات الدولية والمشاهير وآخرين.
أهم عائد للمؤسسات من تبني هذه المقاربة يتمثل في سعة المنظور الشامل للتنمية المستدامة فأن تنجح دولة أو مؤسسة في تحقيق معدلات جيدة اقتصادياً لا يعني بحال أنها حققت تفوقاً في التنمية المستدامة ما لم تقابله رعاية اجتماعية جيدة وحوكمة مؤسساتية وبيئة خضراء وغايات أخرى تصل إلى 169 غاية تضمن تحولاً شاملاً نحو السلام والرفاه.
في ظل التنافسية العالمية، والتسابق الكبير بين كبرى الشركات والمؤسسات بالعالم، نلحظ تجاهلا تاما للتنمية المستدامة، مما تسبب في تدهور البيئة واستمرار انتشار المجاعات في مناطق مختلفة في العالم. برأيكم دكتور ما هي الأسباب التي تجعل بعض المؤسسات اليوم تستمر في تجاهل التنمية المستدامة رغم أهميتها؟
الوعي بالدرجة الأولى، فمما يؤخذ في أدبيات التنمية على التجارب السابقة أنها كانت غامضة إلى حد بعيد، غير محددة المعالم والملامح وكانت من الدول المتقدمة للدول النامية أو الأقل حظوة كما توصف.. في الوضع الراهن جرى تلافي الكثير من الثغرات السابقة فقد شهد التزاماً وتواثقاً دولياً تمثل في إبرام اتفاقية "تحويل عالمنا" وتزامن مع حملة عالمية بهدف الترويج لأهداف التنمية المستدامة كما دعت الدول إلى تشكيل هياكل وطنية وإقليمية تشاركية مع قطاعات الدولة المختلفة بهدف متابعة الإنفاذ ورفع مستوى الوعي والترويج لهذه الأهداف وهنا يتفاوت الباعث والحافز من دولة لأخرى ومن مؤسسة لمؤسسة ويُلقي بظلاله على العائد من التنمية المستدامة.
تسعى أغلب المؤسسات الناشئة لأن تجحز مكانها في التصنيفات المتقدمة عالميا، وذلك من خلال محاولة التزامها بمختلف المعايير التي تساعدها في إحراز ذلك، والتنمية المستدامة تعد من أهم وأصعب المعايير من ناحية التطبيق والالتزام، أين تكمن صعوبة تحقيقها عند المؤسسات حديثة النشأة؟
اتخاذ مقاربة التنمية المستدامة في المؤسسة وسيلة لتحسين الصورة وتعزيز الهوية الإعلامية هي أكثر صعوبة تواجه مرحلة الإنفاذ ومواءمة الأهداف مع واقع المؤسسة.
عادة ما أحاول تبسيط الصورة لكثير من الزملاء والأصدقاء في المؤسسات بأن ما تقوم به يتلاقى مع أكثر من هدف ومؤشر في التنمية المستدامة، المطلوب إعادة صياغة الموجود من أعمال وجهود وفقًا لمقاربة الـSDGs والسعي لسد ثغرة المفقود من خلال رفع مستوى وعي قيادة المؤسسة وبناء قدرات العاملين فيها أو عبر الاستعانة بمختصين ومعنيين بآليات المواءمة مع أداء المؤسسة ومخرجاتها.
يعد اقتصاد العالم الإسلامي في غالبه من أضعف الاقتصادات في العالم، ويعود ذلك للعديد من العوامل والأسباب، من أهمها إهمال العناية والالتزام بالمعايير التنافسية. كيف يمكن برأيك أن تخدم الاقتصاد الإسلامي أمام التنافسية العالمية الضخمة؟
الاقتصاد القائم على المرجعية الإسلامية جاد وتنموي وأخلاقي هكذا يوصف من حيث الرؤية والنظرية وعلى مستوى الممارسة هناك الكثير من النجاحات وبعض الاجتهادات ويشهد تنامياً غير مسبوق، قرأت في بعض الدوريات أن نسبة نموه تصل إلى 15٪ قياساً بالعمل المالي التقليدي الذي يتراوح بحدود 4٪ وهذا تسارع كبير في عالم المال والأعمال.
مؤكد أن مقاربة التنمية المستدامة تتقاطع مع الاقتصاد ذي المرجعية الإسلامية في أهداف عدة يكفي أن نذكر أنه اقتصاد يعزز النمو في الهدف السابع من خلال إيجاد فرص عمل وسوق نشط على مستوى العالم يستوعب اليوم أكثر من 300 مليار دولار في موجوداته ويتلاقى مع الهدف 16 في الحوكمة فهو اقتصاد يقوم على نفي الجهالة والغرر وهذا فيه التزام بمبدأ الشفافية والمساءلة والرقابة والتدقيق.
نعيش في قرن يتوجه فيه العالم لتكريس قيم الإنسانية وحتماً أن المضي نحو التنمية المستدامة سيساهم في حضور هذا النوع من الاقتصاد في عالم تلوثه المنافسة السلبية أملاً في التنافسية المستدامة.
هل هناك خطة عملية لتوسيع دائرة اعتمادها في مختلف المؤسسات في العالم الإسلامي؟
هناك جهود تُبذل أتابع بعضها باهتمام وإعجاب عندنا اليوم 9 دول عربية قدمت تقاريرها الطوعية عن التقدم المحرز في أهداف التنمية المستدامة وهذه الخطوة تمثل مؤشراً هاماً على تبني مقاربة التنمية المستدامة وتقريرها يستعرض مجمل السياسات والإجراءات المتخذة لإنفاذها ومواءمتها بالشراكة بين قطاعات الدولة (العام، الخاص، المجتمع المدني) لكن ما زال ينقصنا الكثير! وكرة الثلج تكبر مع الحركة وهذا ما أتوقعه وأتمناه، نلتقي سنوياً كمهتمين وأكاديميين ونشطاء مجتمع مدني ورجال أعمال ووزراء معنيين و إعلاميين وخبراء ميدانيين في منصة عربية تحت عنوان المنتدى العربي للتنمية المستدامة يراجع ويتدارس واقعها ويستعرض الفرص والتحديات والممارسات المُثلى في العالم أملاً أن نكون في واقعٍ أفضل.
بحكم كونك مستشار الشبكة العريية للتنمية المستدامة ولديك مساهمات نوعية بهذا المجال، ما هي الإضافات التي قدمتها الشبكة العربية للتنمية المستدامة لمختلف القطاعات والمؤسسات في الوطن العربي؟
الشبكة العربية للتنمية المستدامة تمثل إطاراً يسعى لتسكين مقاربة التنمية المستدامة على خارطة التخطيط والتنفيذ في قطاعات الدول العربية عبر حشد الموارد والطاقات وتحفيز المجتمعات من خلال بناء القدرات وإقامة الندوات أو المؤتمرات وإنتاج الأدبيات وصناعة المحتوى العربي الذي يثري الحوار ويدفع الأفكار نحو الابتكار أملاً في انتشالنا من واقعنا المؤلم فثلث لاجئ العالم ينتمون إلى منطقتنا وفيها 25٪ من الشباب عاطل لا يعمل وهناك مئة ألف مسن يحتاجون لعناية ورعاية نأمل أن تقود هذه القاطرة مجتمعاتنا نحو النمو والتقدم!
كيف ترى مستقبلها في العالم العربي بل والإسلامي ككل؟
قد تكون مقاربة التنمية المستدامة هي نتاج الفكر الغربي ويرفض كثير من أبناء جلدتنا هذه المقاربة رفضه للآخر بسبب المآسي التي يكتوي بها عالمنا العربي والإسلامي لكن علينا أن نتذكر هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال "الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق الناس بها" علينا أن نستلهم من هذه المقاربة ما يرتقي بواقعنا وأقول عن إدراك ودراية أن جل مؤشرات هذه الأهداف تتناسب مع احتياجنا وتتوافق مع حالنا وهي خير لنا ولمستقبلنا وعلينا أن نتعاطى مع هذا الخير ونتعاون فيه مع الأخ العربي ونظيرنا المسلم ومع شريكنا الإنساني فنحن في عالمٍ أزماته عابرة لحدوده وكوارثه تفرض علينا ألا نغرق بتفكيرٍ انعزالي أو إقصائي، لا أبيع الوهم لكني متفائل في جيلنا الشاب أنه قادر على صناعة الأمل وقادر أن يمتلك زمام التنمية المستدامة ويعيد توجيه البوصلة من جديد!