الحب هو السلام فسلام على الأحبة حيثما حلوا، وإني وجدت الحب علما قيما، الحب سكر الحياة وزينتها، الحب هو الإقبال على الحياة، هو أن تعطي دون مقابل، أن تعامل الناس بما يتسنى لك من محبة وبما يبدونه لك من إحسان، أن تسعد دون سبب، أن تبتسم دائما ذلك هو الشعور بالمحبة، الحب مثل الكهرباء فهو يمد بطاقة هائلة تبعث على النشاط والتفاؤل، هو قوة تعينك كل ما يواجهك بالحب نقابل الفرح ونواجه الترح. 

الحب هبة لمن فهمه وأدرك معناه فاستند عليه واستقوى واستعان به، فسنده وقواه وأعانه، من يحسنه ويملكه فقد ملك الكون، فلا سبيل للكآبة إليه ولا يأس يصيبه ولا حزن يمسه، وكذلك الحب لعنة لمن جهله ولم يدرك معناه فاستغله وماج فيه، فسيتخبط ويغرق ويصيبه ما يصيبه من ضلال وشقاء وكثيرا ما يعلق عليه خيباته ويفتقر إليه فهو لم يعرف حقيقته، بل إنه من البداية لم يكن حبا. حقيقة أن الحب سلاح ذو حدين.

 لكن! هل للحب شروط؟

نعم للحب شروط وأنواع وأشكال وأفعال وردود أفعال، لطالما اتخذ الحب أشكالا عديدة وسامية، حب الوطن، حب الأصدقاء والأهل والأسرة، والحبين الأعظمين حب والله رسوله ونحن بحبهما نتعافى. 

يجب للحب أن يُتَخذ كما هو، وإلا غرق الفرد وتاه وضاع وأصابه الداء ووقع في الحرام حتى النخاع ولم يدري أين المفر وقد يضطر للتخلي عنه بقية الحياة، فكيف للقهوة أن تشرب من دون سكر وكيف للوحة أن تكون من دون ألوان؟

في قديم الزمان عرف الجميع قيسا بحبه لليلى وقد كان يهيم على وجهه في طلبها. فلم يعي ما حوله وما خلفه وما أمامه فقد غرق حقا في الحب. 

في زمننا هذا أصبح الكل قيس وكل على ليلاه يغني وضاع معنى الحب، أصبح الحب هدفا وليس وسيلة، فنرى الكل يبحث عنه وهو في الحقيقة موجود بداخلنا فإن الحب ينمو في الداخل ولا نبحث عنه ونلاحقه في الخارج، أصبح كل شخص معلقا أمره رهن علاقة لا اسم لها ولا كيان ويدعون أنها حب.

أصبح الجميع مهووسا بالحب، أصبح هم كل شاب أن يجد لنفسه فتاة يدعي حبها، وأصبح هم كل فتاة أن تجد لنفسها شاب تدعيه حبه. (بالطبع ليس الكل مدعي ولكن لشدة هوسهم به أصبحوا لا يبالون إن كان الأمر حقيقة أم ادعاء، فقط الكل يريد لنفسه حبيبة والكل يريد لنفسه حبيب). 

صار البحث عن الحب هدفا يركض وراءه الكثير من شبابنا، تركوا الركض خلف العلم، تركوا الركض خلف الحياة الدنيا والحياة الآخرة، أكاد أجزم بأنهم تركوا الحياة بما فيها لينكبوا على الحب وألا ليته انكبابا قويما. 

لا أعلم لما لا يستطيع الجميع العيش في حب بعضهم، حب إخوتهم وأصدقائهم في حب آباءهم وأمهاتهم، في حب العلم في حب العطاء، في حب السعادة وفي حب التبسم، في حب الله وفي حب رسوله وعشق سنته وتفاصيلها، لم ربط كل شخص نفسه بفكرة أن لا بدَّ أن يكون له حبيب وإلا فإنه ناقص.

و أجد من حالفه الحظ في الحب يباهي به ليل نهار، حتى أصبح الحب سلعة تباع على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الجميع مهووسا بهذه السلعة، الكل يريد شراءها، والكل يريد أن يعرض سلعته التي اشترى.

 المؤسف أن هذا قد أصاب شباب أمتنا بالعمى فلم يعودوا يفرقوا بين ما هو حلال وما هو حرام في سبيل هذا الهوس، وفي الغالب ينقادون إلى كل الأفعال المحرمة والمشبوهة والواجب علينا اتقاء المتشابهات فما بالنا بما هو محرم شرعا، أصبح الاختلاط ضرورة، والتبرج عادة لا غنى عنها، وكل منهي عنه.

بات كل شخص لا يجد الحب يلتمس في شخصه عيبا ويجد في نفسه حرجا، بل ويصفون أنفسهم بالبؤساء والتعساء وكأن لا سعادة في الكون سواه، من لم يجد له من هذه السلعة نصيبا، يظل يندب حظه ليل نهار ويرى أن لا شأن له في هذه الحياة برمتها، حقا إن الأمر لمحير، فقد ترك الجميع ما في الحياة من جمال وغموض لم يكتشف، وعلم لا علم لنا به ومغامرات لم تخاض ومواضيع لم تناقش وصفات لم تكتسب وجلسوا ينتظرون الحب. 

أخذ الحب كل الشغف الذي في الساحة، فلم يعد يتغنى إلا به ولا يشتاق إلا إليه ولا ينجر وينساق إلا نحوه، برز هذا الحب بين كل العلوم وفاز بكل الشعوب، أصبحت للحب قدسية لا قبل لنا بها ولا طاقة لنا عليها، فيا ويلنا من حصاد ما زرعناه.

أيا شباب أمتنا، ألا إن القلوب بيد الله يقلبها حيث يشاء، ولكن العقول برؤوسكم فاعقولها وتوكلوا، فإن الحب ابتلاء جميل فمن بلي به فليحمد الله وليثني عليه، فلا يزهو به ويصيبه الخيلاء فيفتن به وينجر وراءه فيفنى دونه، وليتقي الله في بلاءه هذا وليصن نفسه وقلبه وليحكم عقله، فإن من الأحبة من أشرك بالله في سبيل الحب، ومنهم من جعل المحبوب معبودا، وغيرهم من جعل المحبوب عينه التي يرى بها وأذنه التي يسمع بها، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت عينه التي يبصر بها، وأذنه التي يسمع بها، ورجله التي يمشي بها، وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به.).

و من لم يبتلى به فليحمد الله وليثني عليه، وليحب ما يملك فيهنئ ويسعد، ولا يجحد فيشقى ويحزن، وإن في الحياة لما هو أحق أن يحب. وأسأل الله لي ولكم علما نافعا وهداية واسعة وحبا لا يفنى ولا ولا يزول ولا يذل ولا يضل.