استيقظوا.. يرحمكم الله
الأزمة مازالت في بداياتها، وبعض الناس لا يدرك هذا الأمر الخطير، ويعيش وكأن الأزمة ستنتهي بعد أيام، والبعض الآخر لا يأخذ هذه الأزمة بجد، فتراه لا يتّبِعُ الإجراءات الصحية، ولا يحتاط عند المخالطة، ولا يتجنب التجمعات، وكأنه في منأى عن أن يصاب بالمرض، أو ينقله للأبرياء، وقد يتسبب في وفاتهم مثلما يحدث في الكثير من المناطق، حيث تسببت فتاة مهاجرة في وفاة والدها المُسن بسبب الإهمال، وعدم الالتزام بالوقاية وإجراءات السلامة.
استيقظوا رحمكم الله وخذوا الأمر بجد، فهو كارثة صحية (وخاصة في الدول التي تأخرت في الإجراءات أو التي تتستر على حقيقة المعلومات)، وهذه الأزمة ستستمر أسابيعاً أو أشهراً، سيصاب بها الملايين، وسيتوفى الآلاف والله تعالى أعلم ما يحدث مستقبلاً.
وهي كارثة ستدمر الاقتصاد وبخاصة في الدول الهشة، أو الدول سيئة الإدارة، والدول التي تعاني من مشاكل داخلية رئيسية، قد تساهم بعض الدول في مساعدة الدول الفقيرة، لكن هذا لن يستمر إذا طالت الأزمة (وهو المتوقع)، ولننظر إلى واقع الدول الأوروبية وإجراءات الأمريكيين تجاه حلفائهم، حتى العالم المتقدم يعيش رُعبًا وعُزلة بسبب هذا الفيروس.
التفاؤل جميل، بشرط ألا يتحول لتخدير، والتخطيط والاستعداد للسيناريو الأسوأ لن يضر (ونسأل الله تعالى برحمته ألا يحدث)، ويجب على كل دولة وشركة ومنظمة وأسرة وفرد أن يخطط للأسوأ، ويستعد لأزمة طويلة، ويبدع الوسائل للصمود. والأهم أن يعرف الإنسان أنه طغى وأنه ظن أنه استغنى عن ربه، فلا بد من أن نتجاوب مع الأهداف التي حددها لنا الله تعالى من الأزمات (لعلهم يرجعون) و(لعلهم يتضرعون).
التشاؤم سيء فتفاءلوا بالخير دائمًا تجدوه، لكن التفاؤل غير الواقعي يؤدي لعدم التخطيط. وتقديرات الخبراء أن أزمة كورونا لن تكون طويلة (سنة أو أكثر) لكنها لن تكون قصيرة كذلك (أي لن تكون أياماً بل ستكون لأسابيع وقد تمتد لأشهر). فهل أعددتم أنفسكم للأزمة ايمانياً وصحياً ونفسياً واجتماعياً وماليا؟
الحرب في أولها.. كُن سدًا ولا تكن ثغرة!
عند الحروب تتغير كل المعادلات، وكلما عرفنا هذه المعادلات في بداية الحرب زادت فرصة الانتصار، فالحرب مع عدو ظاهر لا تختلف كثيرًا عن الحرب مع عدو خفي، وفي كلا الحالتين، يجب الاستعداد لحرب طويلة، مع الأمل والدعاء بأن يُقصّر الله سبحانه وتعالى أمدها، فعند الرخاء يجب أن نستعين بالله تعالى، وعند الشدائد يُصبح اللجوء إليه سبحانه ألزم.
يجب على الجميع أن يأخذ أزمة "فيروس كورونا" بجدية ولا يتساهل أبدًا أبدًا، وكل القطاعات العامة والخاصة والأهلية يجب أن تتحمل مسؤوليتها، ويجب الترتيب للكوارث التي ستحل حتمًا بسبب الحرب، ومنها الكوارث الصحية والاقتصادية والتعليمية، ويجب تسخير كل الإمكانيات، وتقديم كل التضحيات، والتفكير بكل الإبداعات لحل مشاكل التعليم والاقتصاد وغيرها والتي ستحدث حتمًا في أي حرب.
يجب أن يتحقق التكافل بين الجميع، ويجب على القوي صحيًا واقتصاديًا أن يحمل الضعيف، وعلى الدول الغنية أن تساعد الفقيرة، وعلى الأغنياء أن يحملوا الفقراء، وعلى الدولة أن تُضحي بمدخراتها المستقبلية فقد حان موعد استعمالها، فلا قيمة لها في المستقبل إذا ضاع الشعب اليوم، وهناك من هو ضعيف إيمانيًا أو نفسيًا فعلى الأقوياء في ذلك دعمه ورفع إيمانياته ومعنوياته وعلاج حالته.
وعند الحروب تنتشر الإشاعات بقصد وبغير قصد، فكونوا سدًا أمامها ولا تكونوا عونًا لها، ولا ننسى الإيثار، فلا يجوز تكديس ما يحتاجه الناس، بل يجب التكاتف والتكافل. وإذا لم نفهم أننا في حرب مع "كورونا" فقد نعطي هذا الفيروس متناهي الصغر أن يتسبب للبشرية بكوارث متناهية الكبر.
هناك دول فهمت هذه المعادلة مبكرًا فحمت شعبها، وهناك قادة دول لم يفهموها حتى الآن وما زالوا يُغطّون على الكارثة وكأنها ستختفي إذا غطوا عليها، وهؤلاء يجب إزالتهم قبل أن تزول شعوبهم بسببهم. ويا أيها الناس، شمروا السواعد، وشاركوا في المجهود الحربي وقدموا ما تستطيعون، وتطوعوا في المجالات التي تحسنونها، ولا تكونوا الثغرة التي يدخل منها العدو.
إن طالت الحرب ووقعت الكارثة.. هل أنت مستعد؟
في خضم متابعة الناس للوضع العالمي حول كورونا، يغفل البعض أن هناك كارثة أخرى على وشك أن تحدث وهي الكارثة الاقتصادية، أقول لكم هذا الأمر ليس للتخويف، فهذا ليس من شأني، وإنما للتخطيط المبكر فهذا من اتخاذ الأسباب التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها.
وباختصار سريع، فإن التراجع الاقتصادي إذا استمر ستة شهور فيمكن أن يتحول إلى ركود اقتصادي، مما قد (قد) يؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة، وفقدان للكثير من الناس وظائفهم. والدول الغنية ستقوم بإعطاء شعوبها التعويضات في الغالب، لكن ذلك لن يتوفر للوافدين في تلك الدول في الغالب أيضًا، أما الدول الأقل ثروة فستنتظر المساعدات الخارجية، والتي قد تأتي لكنها بالتأكيد ستتأخر كثيرًا في الغالب أيضًا.
هناك قطاعات واسعة ستحدث فيها كوارث اقتصادية أكثر من غيرها مثل الطيران والسياحة، وفي الغالب ستساعدها الحكومات حتى لا تنهار، لكن هناك قطاعات ستزدهر أكثر بسبب هذه الأزمة مثل: الأجهزة الطبية التي يستعملها الناس هذه الأثناء.
السؤال الآن لكم: ما هي خطتكم واستعداداتكم المالية إذا طالت هذه الأزمة لعدة شهور (أو سنة كما تقول بعض التقديرات)؟. نسأل الله تعالى ألا تحدث الأزمة الاقتصادية، ونسأله برحمته أن تنتهي الأزمة الصحية بسرعة، وفي نفس الوقت ندعو الجميع إلى اتخاذ الأسباب ومنها الاستعدادات المالية.
والمطلوب الآن، تواصل اجتماعي وتباعد جسدي، واستعن بالله تعالى ولا تعجز أو تيأس، تفاءل رغم شدة الأزمة مع أخذ الأسباب والحذر، واعمل بجد من بيتك أو من الصفوف الأمامية في معركتنا مع فيروس "كورونا"، وفكر بإبداع خلال الأزمة لتكون مستعداً لما بعدها.
علمتني الأزمات!
علمتني الأزمات أن أتعامل معها بكل جدية، وأن أواجهها ولا أخاف منها، وأن أحتاط وآخذ حذري، وأن أنظر للمنحة التي في المحنة، وأن أبحث عن الحلول الإبداعية، وأن أعيش الحقيقة لا الأوهام، وأن أتعامل مع المعلومات لا التكهنات، وأن أفكر في المستقبل لا الماضي.
علمتني الأزمات أن أبقى هادئاً وأهدئ من حولي، وأن لا أخاف من الأجل فهو ليس بيدي، وأن أعمل للرزق لكني لا أقلق عليه. وأن أخطط لأسوأ الاحتمالات، وأبذل جهدي كي لا تحدث، لكن يبقى قلبي معلقاً بأفضل الاحتمالات، وأعمل جاداً لتحقيقها.
في هذه الأزمة يجب أن تكون الحقائق واضحة فهي: لن تنتهي في أسبوعين أو ثلاثة، وقد تستمر لأشهر أو لسنة أو أكثر، وستؤثر صحياً ومالياً بشكل هائل. وهنا يجب الاعتراف بأن القلق واليأس لن ينفع، والدعاء واتخاذ الأسباب هو الحل الذي يجب أن يسند كل واحد فينا.
علمتني الأزمات أن أكون صادقاً مع من حولي فيما أعرف وما لا أعرف، وفيما قررت وفي الأمور التي لم أقررها بعد. وأن يعرف من حولي الحقيقة دون تجميل، لكني أزرع في نفوسهم الأمل دوماً، لا أشعر أبداً أني مكبل اليدين ولا حيلة لي، بل لدي عقل يهديني، وإيمان يأويني.
علمتني الأزمات أن أواجهها بأمرين:
-
ابتسامة الواثق الذي لا يخاف الحقيقة.
-
وقلب المؤمن الذي يتوكل على الله وهو حسبه ويكفيه سبحانه.
أجر كبير لأزمة كبيرة
الذين يعملون في أثناء الأزمة أصناف كثيرة فمنهم الأطباء والصيادلة والطاقم الصحي، والإدارة الصحية والسياسية، والقائمين على حاجات الناس من طعام واحتياجات، والمسؤولون عن البنية التحتية من كهرباء وصرف صحي ومياه، والمسؤولون عن الأمن من شرطة وجيش وحرس وطني ومطافئ، وغيرهم الكثير.
أرى والله أعلم أن أجرهم مضاعف (إذا أخلصوا النية واحتسبوا الأجر)، لثلاثة أسباب :
-
القيام على حاجات الناس
-
التعرض للأخطار
-
كسب الرزق الحلال
وروى البخاري في صحيحه، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: سألتُ رسول الله ﷺ عن الطاعون. فأخبرني أنه: "عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحدٍ يقعُ الطاعونُ فيمكث في بلده صابراً محتسباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد".
اللهم بقدرتك التي لا يعجزها شيء احمنا واحم بلادنا وأحبابنا واحم اللهم كل بريء من هذا الشر المستطير وآثاره الاقتصادية والاجتماعية، وكن معنا دومًا يا قوي يا عزيز يا رحمن يا رحيم.