تبرز الأدوار الإدارية و القيادية للحكومات وقت الأزمات، فقد وضع وباء كورونا COVID-19 بلدان العالم في سباق محموم مع الزمن للسيطرة على تفشيه السريع وحصده للأرواح، وذلك عبر اتخاذ جملة من التدابير الاحترازية. نرصد لكم أهم هاته الإجراءات كما نستعرض التجربة الرائدة لكل من سنغافورة وهونغ كونغ و تايوان في التصدي للفيروس المستجد.

ما هي الإجراءات المتخذة من طرف الدول لمواجهة الفيروس؟

مددت إيطاليا إجراءات الطوارئ. شمل ذلك إلغاء الامتحانات النهائية لعشرة آلاف من طلاب الطب وإرسالهم على الفور للعمل كممارسين عامين أو في دور رعاية المسنين، مما يتيح للأطباء ذوي الخبرة الذهاب إلى المستشفيات لتخفيف العبء. أما على المستوى الوطني، فُرضت القيود على السفر وأغلقت جميع المحلات باستثناء متاجر المواد الغذائية والصيدليات كما عطلت الدراسة والأنشطة الرياضية.[1] 

14 مارس: أعلنت إسبانيا عن حالة الطوارئ في البلاد لمدة 15 يوما أُغلقت على إثرها المطاعم وجل المحلات التجارية كما شهدت البلاد تقييدا للنقل.

16 مارس: أغلقت ألمانيا حدودها مع فرنسا والنمسا وسويسرا، باستثناء حركة المرور التجارية حيث قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر صحفي في 11 مارس أن 60-70 % من السكان يمكن أن يصابوا بفيروس COVID-19.

17 مارس: وافق القادة الأوروبيون على إغلاق الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي والسماح فقط بالسفر الضروري لمدة لا تقل عن شهر دون أن يشمل الحظر التجارة. في نفس اليوم، فرضت فرنسا الحجر الصحي على مواطنيها وحث الرئيس الفرنسي الشعب على عدم مغادرة المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى، حيث انتشر 100 ألف شرطي في البلاد لضمان التزام المواطنين بالقرار.

18 مارس: أعلنت حكومة المملكة المتحدة إغلاق المدارس ودور الحضانة والكليات حتى إشعار آخر، جاءت هذه الخطوة بعد أيام من دعوة رئيس الوزراء بوريس جونسون المواطنين إلى العمل عن بعد وتجنب الأماكن المزدحمة، كما أكد على وجوب بقاء المسنين والأشخاص الأكثر عرضة للإصابة في منازلهم.

18 مارس: أعلن رئيس الوزراء الأسترالي حالة طوارئ وطنية وكشف عن تدابير احترازية جديدة، كما منعت أستراليا دخول أي شخص من الصين وكوريا وإيران وإيطاليا. بالمقابل، فرضت نيوزيلندا عزلا صحيا مدته 14 يوما على كل من يصل البلاد.

                        إيطاليا تحت الحجر الصحي| المصدر: Alessandro Di Meo/E PA

شددت الدول في أمريكا الجنوبية والوسطى من التدابير لاحتواء العدوى إذ حضرت بنما دخول الأجانب غير المقيمين وأغلقت الهندوراس حدودها أمام حركة الركاب لمدة أسبوع. 

في 15 مارس، أعلنت الأرجنتين والبيرو إغلاق الحدود للحد من انتشار فيروس كورونا، في حين أمر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو "بالحجر الجماعي" في سبع ولايات. أما البرازيل، فقد أغلقت جميع منافذها البرية في 19 من مارس.

بالنسبة لحكومة جنوب إفريقيا، فقد أعلنت عن كارثة وطنية في البلاد في 15 مارس وحظرت السفر إلى الدول الأكثر تضررا. إلى جانب ذلك، فرضت دول إفريقية أخرى قيود سفر شاملة.

حتى 13 مارس، أعلنت 61 دولة في أفريقيا و آسيا و أوروبا و الشرق الأوسط و أمريكا الشمالية والجنوبية إغلاق المدارس والجامعات، مما أثر على ما يقرب من نصف مليار طالب حول العالم.

وفي خطوة تهدف إلى التخفيف من تداعيات الفيروس على المؤسسات و أصحاب المشاريع الخاصة، أعلنت الحكومة الدنماركية أنها ستدفع إلى غاية 9 يونيو 75% من رواتب الموظفين للشركات الخاصة التي تعاني بسبب هذه الجائحة، شريطة ألا تقلل من عدد العاملين.

أصبحت ألعاب طوكيو الأولمبية لعام 2020 أكبر حدث دولي يتأثر بانتشار الفيروس، حيث أجلت إلى 2021.

ماذا عن الصين والولايات المتحدة والهند؟

في يناير، كانت المدينة الصينية ووهان والتي يقطنها أكثر من 11 مليون شخص، أول مدينة تطبق العزل إذ ألغيت جميع أنواع الرحلات البرية والجوية خارج المدينة. مُددت الإجراءات إلى مدن أخرى في مقاطعة هوبي، مما أدى إلى إنشاء منطقة حجر صحي ضخمة تضم حوالي 50 مليون شخص. في 13 مارس، كُشف عن 3 حالات جديدة فقط في ووهان، ولم يتم الإبلاغ عن أي انتقال محلي للعدوى في بقية الصين. في 19 مارس وللمرة الأولى منذ ظهور الوباء، لم تبلغ ووهان عن أية حالة إصابة جديدة بالفيروس.[1] باعتبارها بؤرة الأزمة العالمية، أصبحت الصين الآن نموذجا يحتذى به في التنفيذ الفعال للسياسات والنجاعة في إدارة الأزمة وهو أمر يؤكده الانخفاض السريع في معدل الإصابة، مما يظهر تصميم الصين، حسب الخبراء، على قلب السيناريو لصالحها.[2]

أعلن الرئيس الأمريكي حظر السفر من منطقة شنغن في الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 13 مارس ليتوسع الحظر بعد أيام فيشمل المملكة المتحدة وأيرلندا.كما وقع على قانون حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 2.2 تريليون دولار.[1]

بالمقابل، وجهت انتقادات للرئيس بسبب تعيين نائبه مايك بنس لإدارة أزمة كورونا في الولايات المتحدة بالرغم من عدم خبرته الطبية واتهامه بالفشل الذريع في التصدي لانتشار الإيدز سنة 2015 عندما كان حاكما لولاية إنديانا. تعاني الطبقة العاملة الفقيرة في الولايات المتحدة من غياب التغطية الصحية كما لا يمكنها تحمل الأضرار المادية الناجمة عن الغياب عن العمل نتيجة العزل الصحي. بالإضافة إلى ذلك، أكثر من نصف الأمريكيين غير قادرين على التعامل مع حالة طوارئ مالية غير متوقعة بقيمة 500 دولار.[2]

                    مخاطبة ترامب وبنس وسائل الإعلام بشأن فيروس كورونا| المصدر: Erik S Lesser/EPA

كشف وزير الصحة الهندي عن حزمة من الإجراءات للتعامل مع تفشي المرض، مع ذلك، أثار خبراء الصحة مخاوف بشأن قدرة الهند على السيطرة على انتشار الوباء بالنظر إلى طبيعة نظام الرعاية الصحية العامة و سجلها السابق في التعامل مع الأمراض المعدية.

كورونا اختبار الكفاءة.. 3 دول كافحت بنجاح فيروسا لا يرحم! 

تسلط الأزمة الوبائية الحالية الضوء على قدرات الأنظمة الصحية حول العالم كما أنها تشكل اختبارا حقيقيا لقدرة الحكومات على التعامل مع الأزمات الطارئة. 

حرصا على تجنب تكرار كابوس وباء سارس SARS الذي دمر العديد من المدن الآسيوية عام 2003، تضاعفت جهود بعض الدول في التأهب للأزمات القادمة من بينها هونغ كونغ وسنغافورة و تايوان. مستلهمة العبر من الماضي، اتبعت هاته الدول تدابير فعالة نجحت في مكافحة تفشي فيروس لا يرحم مثل كورونا. رغم أن الوقت مازال مبكرا لإعلان الانتصار على الوباء حسب البعض، لكن هاته الدول وفقت في إبقاء أعداد الإصابات بالفيروس منخفضة رغم اتصالها الشديد بالصين، البؤرة الأولى للوباء.[3]

1) التصرف بسرعة

ترتبط البلدان الثلاثة ارتباطا وثيقا بالصين القريبة جغرافيا، عبر رحلات مباشرة إلى ووهان، مركز تفشي الوباء. في الوقت الذي يواصل فيه الفيروس انتشاره المهول في العالم، بدأت حالات التعافي في سنغافورة وتايوان وهونج كونج في التفوق على الحالات النشطة أو اللحاق بها. 

يكمن سر النجاح في المواجهة الحاسمة منذ البداية. في تايوان وهي جزيرة يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، خضع الوافدون من ووهان إلى فحوصات صحية قبل تأكيد انتقال الفيروس من شخص إلى آخر في تاريخ 20 يناير.

بحلول الأول من فبراير، كانت تايوان وهونغ كونغ وسنغافورة قد نفذت بشكل استباقي قيود السفر على المسافرين القادمين من الصين، مخالفين بذلك إصرار منظمة الصحة العالمية على عدم ضرورة حظر السفر.كلفت هاته الاحتياطات اقتصاديا هاته الدول التي تعتمد جميعها على الصين كأكبر شريك تجاري و مصدر للسياح.

الاستعداد الجيد جعل الاستجابة السريعة ممكنة

 بعد السارس في عام 2003، أنشأت تايوان مركز القيادة المركزية للأوبئة، وبحلول العشرين من فبراير، كانت تنسق رد الحكومة على فيروس كورونا حيث جمعت بسرعة قائمة ب 124 "بند عمل" تشمل مراقبة الحدود، السياسات الخاصة بالمدرسة و العمل، وخطط الاتصال العامة وتقييم لموارد للمستشفيات. تتناقض التعبئة السريعة التي شهدتها تايوان بشكل صارخ مع كوريا الجنوبية واليابان اللتين واجهتا انتقادات بسبب ردود الفعل البطيئة في البداية رغم القرب من الصين والتمتع بأنظمة صحية متقدمة، الأمر الذي أدى لاحقا إلى انفجار في عدد الحالات.

2) الكشف الدقيق والحجر الصحي الصارم

عندما بدأ الفيروس في عبور حدود الصين في يناير الماضي، ازداد احتمال تفشي الفيروس على نطاق واسع في سنغافورة والتي تعد ثالث دولة بلّغت عن ظهور حالات كوفيد 19. بحلول منتصف فبراير، سجل البلد، بفضل الاختبار الدقيق الذي أجري، أكثر من 80 إصابة وهي أعلى نسبة خارج الصين. 

تشير دراسة أجراها مركز ديناميكيات الأمراض المعدية بجامعة هارفرد إلى أن كشف سنغافورة عن الإصابات يفوق المتوسط العالمي بثلاث مرات وذلك يعزى إلى مراقبتها الدقيقة للأمراض وسرعة التتبع. لإحصاء حالات كوفيد المحتملة، قررت السلطات الصحية في البلاد اختبار جميع الحالات الشبيهة بالإنفلونزا و الالتهاب الرئوي كما لم تتوانى في ملاحقة كل من كان له اتصال بهؤلاء المصابين بالإضافة إلى حث الإعلانات الحكومية المواطنين الذين تظهر عليهم أعراض طفيفة على رؤية الطبيب والامتناع عن الذهاب إلى المدرسة أو العمل. اعتبارا من 13 مارس، أحصت الدولة 178 حالة في غياب تسجيل أية حالة وفاة. علق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية على الحصيلة بأن سنغافورة لم تذخر جهدا في تصديها للوباء.

وسط تفشي الفيروس، تطبق بروتوكولات العزل بشكل صارم كما توفر الدولة الاختبار مجانا. لجعل الحجر الصحي أقل تكلفة، تقدم الحكومة للأشخاص العاملين لحسابهم الخاص 100 دولار سنغافوري في اليوم (73 دولار أمريكي)بينما يحظر على أرباب العمل خصم أيام الحجر الصحي من الإجازة السنوية للموظفين.

3)التباعد الاجتماعي وحظر التجمعات الجماهيرية

تقع هونغ كونغ مباشرة على الحدود مع الصين، لذلك سرعان ما نفذت التباعد الاجتماعي بهدف محاصرة الوباء من خلال إغلاق جميع المدارس وإلغاء مختلف التجمعات الجماهيرية، كما أن العديد من الشركات إما أغلقت أو طلبت من الموظفين العمل من المنزل. بالإضافة إلى ذلك، يقيم السكان طوعا في منازلهم. رغم المظاهرات العنيفة التي شهدتها هونغ كونغ في الأشهر الأخيرة وتوتر العلاقة بين الحكومة والشعب، لا يزال النظام الصحي، الذي يعد من بين الأفضل في العالم، يحظى بثقة المواطنين الذين يلتزمون بشدة بتدابير الصحة العامة والسلوكيات الوقائية.

4)التواصل الفعال

           

       خطاب رئيس الوزراء السنغافوري حول الوضعية الوبائية والتدابير الحكومية

لضمان تحلي الناس باليقظة، يعتبر تواصل الحكومة مع المواطنين أمر حيوي. هذا ما برهن عليه رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ بجدارة حين خاطب السنغافوريين لتهدئة الوضع بعد أن زادت الحكومة تأهبها بشأن تفشي المرض في السابع من فبراير قائلا : "أريد أن أتحدث إليكم اليوم لأشرح أين نحن وما قد ينتظرنا". أثر الخطاب فورا في نفوس المواطنين فكانت النتيجة تخفيف الضغط على محلات المواد الغذائية؛ لقد صنف من طرف بعض المختصين على أنه من أجمل ما ألقي للإبلاغ عن المخاطر. يبرز هذا الخطاب وسط سلسلة من الأخطاء التواصلية الفادحة لبعض المسؤولين حول فيروس كورونا تراوحت بين التقليل من خطر الفيروس عبر تصريحات سياسية غير دقيقة والغياب التام عن المشهد بالإضافة إلى اتهامات بانعدام الشفافية بشأن الطارئة الصحية.