من الفيروسات نتعلم، حتى وإن كنا في جهلنا نسبح تأتي الفيروسات والأوبئة على شكل دروس مدرسية باهضة الثمن وغالية التكاليف، ما يزال الإنسان في جهالة من درجة العلم، حتى وإن كان واقعنا يشهد بأننا قد تقدمنا في ذلك. 

غادر ذلك الفيروس مدينة ووهان الصينية إلى مرامي شِباك دول العالم، يحمل في جوفه سموماً قاتلة تجاوز الحدود، ويعبر القارات بجواز ذلك القوي الجبار معتمداً على نفسه، ويمتلك في شخصيته عزة نفساً كما ‏قال ذلك الطبيب الهندي في مقولة تنسب إليه ألقاها في لقاء تلفزيوني وهي أن ‏"هذا الفيروس له عزة نفس كبيرة جداً، لن يأتي إلى منزلك إلا إذا خرجت أنت".

تعلمت البشرية دروساً قاسية، وما زال المشهد الدرامي في إنتاج سيناريوهات مستقبلية لعائلة هذا الفيروس في تكثراً مستمر. 

تعلمنا في حياتنا، أن نأخذ دروس الحياة من البئية التي نعيش فيها، ومن التزواج الحركي بيننا وبين المجتمع من ظروف المواقف، هذا أقصى ما نتعلمه ونبني عليه مستقبلنا الذي سيكون بوجهة نظرنا خالي من العثرات، ومن أخطاء ماضينا التي ارتكبناها. 

ولكن هذا الفيروس الذي أتى إلينا وهاجمنا ونحن في غفلة من أمرنا أودع لنا كثيرا من الدروس، وربما جعل لنا قوانيين في حياتنا اليومية لكي ننجو من مكره ومن تسلطه.

عذراً: أيها الفيروس خرجت إلينا في وقت غير ملائم لبيئة الشعوب العربية، ما زلنا نحارب ونناضل من أجل القضاء على فيروسات الحكّام الطغاة، مصلُ نضالنا لم يفد في إقتلاعهم ولا تخليهم عنا. 

عذراً: أيها الفيروس قَدْ سبق بلداننا فيروسات من فصيلتك، وهم حكام الشعوب نشروا دكتاتوريتّهم واستبدادهم في بلداننا، ولم نستطع علاج أمراضهم. 

عذراً: أيها الفيروس ذلك المواطن الغلبان على أمره الذي تسللت إلى جهازه التنفسي قد سبقك في ذلك رجل على هيئة فيروس يسمى: "حاكم عربي". 

عذراً:أيها الفيروس بلادنا العربية لم تعد تقوى على قوتك، دعنا نقول عنك أنك خاص لمن عاثوا في الأرض فساداً، ولا تجعلنا نقول عنك أنك مجرماً وقاتلاً للأبرياء من ضحايا هذه الشعوب.  

بعد هذه الأعذار التي ذكرناها تخفيفاً لوطأة مجئيك واحتلالك لبلداننا، نشكرك وافر الشكر لأننا تعلمنا منك، وكأنك ذلك الأستاذ الذي يشرح على سبورته، ونحن أولائك التلاميذ الذين نستمع إليك، ونكتب ما تمليه علينا من ملاحظات، وعناوين هامة.

أيها الفيروس النبيل علمتنا: أن الحرية نعمة، وأن الحجر أشبه بسجن منزلي ولكنه متطور، ومن خارجه يبدو سجناً، ومن داخله تبدو الحرية مع تلك العائلة التي ربما لم تجتمع أكثر أوقاتها كما جمعهم هذا الفيروس.

علمتنا أيها الفيروس: أن القطاع الصحي في بلداننا لم يكن مؤهلاً لأستقبالك بسبب تجارة الحكام في الأهتمام في الجانب العسكري، وفي سباق التسلح الفضيع، فقد كانت كاشفاً لِعَور تلك الحكومات. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن الانسان ضعيف أمام أقدار الله، وأن سر الله وقدرته توضع في أضعف مخلوقاته. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن نعيد بوصلة حياتنا بالله سبحانه وتعالى، وأن نرتب علاقتنا مع الله من جديد بسبب التقصير الذي جعل حياتنا أسيرة الشهوات والشبهات، وأن كلما زادت الشدائد بنا زاد اشتدادنا إليك واعتمادنا عليك. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن كل شي زائل، وأن أكابرة الأموال وأصحاب تلك المواكب والوجاهات لو أصيبوا بمرضك لن تنفعهم أموالهم، وكل العالم سيتخلى عنهم بسبب خطورتك، وسرعة انتقالك. 

علمتنا الحياة أيها الفيروس النبيل: أن لكل شي أفول، وقد مرت على هذا الكوكب فيروسات، وأوبئة جاءت من قبلك كالطاعون والكوليرا والإنفلونزا بأشكاله وأسمائه والجدري...إلخ ووصلنا إليك ونحن على أمل أن تذهب بعيداً عنا وأنت رافعاً رأسك أو ننتشلك بمصلٍ يجعلك في خطر محدق، أزمتنا ستنتهي ولكننا تعلمنا منك أسلوباً اجتماعياً في أن نحافظ على مسافات بيننا فلا نتشاجر ولا نتعارك بالأيدي ولا نتزاحم. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن الإنسان يظل في نعمة الصحة وقد يفقدها في أي، وقت كان. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: قيمة الصلاة في المساجد، حتى وإن كنا في تقصيرٍ في ذلك، لكننا تألمنا كثيراً لأن مساجد الله هي أسباب رفع بلاء ذلك. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن قيمة العلم هو الأولى للشعوب، وأن تدهور العلم وهو نتاج حكامنا الطغاة الذين أهملوا شعوبهم وتركوهم في غيابات إعالة الشعوب المتقدمة صحياً في بلدان العالم .

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن نبتعد عن أكلنا الغير الصحي الذي كنا نأكله في حياتنا ونحن نعتقد أننا كنا نقدم شي مفيدا لأجسامنا بينما العكس، كان في محاولة تدمير حياتنا بمعاولنا ونحن لا نشعر. 

علمتنا أيها الفيروس النبيل: أن ثقتنا بالله والرجوع إليه وأخذنا بالأسباب هي آمن لنا، وأن ذلك يخفف من وطأة الفزع والخوف الذي ينتابنا.

حقاً: تعلمنا منك الكثير والكثير وما زلنا نحصد ذلك في دفاتر أيامنا وفي سجلات أطبائنا هجومك علينا، وإرهابك لنا هو الفرار إلى الله وهو الأمان من هذا الفزع والطمأنينة مِن ما نخاف ونحذر؛ ستظل البشرية في حلبة الصراع معك حتى تصرعها أو تصرعك، ونحن بالله واثقون وإليه راجعون، انتهت حصة درسنا معك أيها الملك التاجي كورونا.