قضاء المصالح المشتركة وتنظيم الحياة الجماعية مهمة لا يمكن أن يقوم بها الإنسان فردًا، ولا يمكن أن تقوم بها الجماعات، وقد أكد  د. عبد المجيد النجار أن الأمر  يحتاج إلى أن ينتظِم الإنسان في منظمةٍ كُبرى هي الّتي نُعبرُ عنها "بالدولة." 
غير أنّ الكثير من الشكوك دارت حول مشروعية الدولة في الإسلام، وقد أشار لها د. أحمد الريسوني بقوله أنّ الدولة في الإسلام لها مكانتها ووظائفها، مُشيرا إلى أنّ "الإسلام لم يعِش في أي مرحلة من مراحله من دون دولة، ومع هذا ظهر في هذا العصر نقاشٌ وتشكيكٌ وتساؤلات وطعن؛ حول الدولة في الإسلام!"  وفي ذات الجزئية اعتبر د. علي القره داغي أنّ الدولة فريضةٌ شرعية وضرورة واقعية وتقتضيها الفطَر السوية والعقول السليمة والمقاصد والحكم والغايات.
في الحلقة الأولى من برنامج بيان للناس يُجيب العلماء على عدة تساؤلات تتعلق بالدولة في الإسلام.

«السياسة لم ترِد في القرآن الكريم!» فكيف يؤصل لها الفقهاء؟ 


هناك مناقشات كثيرة حول الدولة في الفكر الإسلامي المُعاصر، فهل هناك تأصيل لفكرة الدولة لدى الفقهاء؟ وكيف يتم تقييم هذه المناقشات من خلال المراجع الدينية؟!


د. علي القره ياغي: إنّ وجود دولة عادلة تحمي مصالح المُجتمع ومصالح البيئة، لهو وجودٌ ضروري وفريضة شرعية بنصوص كثيرة، وضرورة واقعية تقتضيها العقول السليمة والفطر السوية، فإذا نظرنا إلى القرآن الكريم، نجد أنّ أول مقصد من مقاصده هو الاستخلاف (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، والاستخلاف لا يُمكن أن يتحقق إلا من خلال التعميم والتنظيم، وهذه القضية لا يُمكن أن تتحقق إلا من خلال الدولة، الله سمى نبيه داوود -عليه السلام- النبي الحاكم والنبي الملك، فقال: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ)، ولذلك قال بعض العُلماء عن آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) هو إكمال للجانب النصي وإكمالٌ للجانب الواقعي، لأنّ معظم الأنبياء السابقين لم يتحقق لهم الجمع بين النبوة والحُكم، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- اجتمعت له الرسالة والنبوة والحُكم، ولذلك اكتمل هذا الدين، فبذلك يكون الإسلام متمكنًا. 
وجميع الآيات التي تدُل على الأمر بطاعة ولي الأمر والآيات التي تتحدث عن وجوب الحُكم بما أنزل الله لهي في إطار السياسة الشرعية، وجميع الآيات الّتي تتحدث عن قضية تحقيق الأمن الاجتماعي، والأمن السياسي والتكافل؛ لهي أيضًا في هذا الإطار، جميعُ الآيات الّتي تتحدث عن إقامة العقوبات وإعلان الحرب والسلم -فهي من خصائص الدولة وليست من خصائص الأشخاص-، ولذلك لو جمعنا هذه الآيات لوجدناها تصل إلى 400 آية في تلك المجالات السالف ذكرها، والقرآن الكريم لم يكتف بهذا، بل سرد لنا قصص مجموعة من الملوك والأنبياء، بدءً من سيدنا يوسف وسليمان بالإضافة إلى ذي القرنين حتى بلقيس، وقد يقول قائل: السياسة لم ترِد في القرآن الكريم!
لا يُضير ذلك؛ لأن كلمة العقيدة لم ترد في القُرآن وكلمة الفضيلة لم تُذكر أيضًا في القرآن، ولكن المحتوى القرآني؛ عَبر عن الحُكم وعن السياسة بأربع كلمات أساسية:

  1. الاستخلاف.

  2. الملك.
  3. الحُكم.
  4. التمكين.

فهذه الكلمات الأربع تُمثل  قضية السياسة، ومع الأسف الشديد، هُناك تشويه لمصطلح (السياسة الشرعية)، من خلال تسييس الدين أو الإسلام السياسي، فهذا الكلام بعيدٌ عن الواقع، هُناك فرق بين تسييس الدين -أي تطويع الدين-، وتوجيه الدين من أجلِ مصالح الظلمة، وهذا مرفوضٌ في الإسلام، أساسًا الوقوف مع الظلمة حرام، فما بالكم في تسييس الدين  أو استغلاله، ومن يقوم بهذا يُسمى من علماء السُلطان.

الحلقة الأولى من برنامج بيان للناس
 

ومن جانبٍ آخر، السياسة الشرعية في الإسلام بما أنها قابلة للتطور، فقد أراد الله أن يبين لها المعالم الأساسية من حيثُ المبادىء والقواعد الكُلية، وكذلك بعض الأحكام الجُزئية التفصيلية المُهمة، وترك بعد ذلك مجالاتٍ كثيرة للاجتهاد، حتى تجمع السياسة الشرعية في الإسلام بين الأصالة الّتي تحمي الهوية الإسلامية وتحمي الالتزام بالشريعة الّتي هي منهج حياة، بالإضافة إلى المعاصرة والتطور، والقرآن الذي يتحدث عن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم-، ويتحدث أيضًا عن الاستخلاف وكيفيته وكيفية وراثة الرسول:
" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ"، وتحدث القرآن كيف يكون الاستخلاف، حتى ترك كيفية الاختيار، ولذلك لما توفيّ رسول الله جاء أبو بكر وعمر والصحابة -رضي الله عنهم-، واجتمعوا على جعل أبي بكر خليفة، ثم بعد ذلك لما توفي أبو بكر، غير عُمر طريقة الاستخلاف، من خلال الترشيح ثُم الاختيار، وطريقة عُثمان مُختلفة عن الطريقتّين السابقتّين، وطريقة سيدنا عليّ -رضي الله عنه- مختلفة، "والعددُ لا مفهوم له"، كما قال بعض العُلماء، وهذا يُعطي مجال أن يكون هناك دولة حديثة وبمنهجية إسلامية ومرجعية دينية، وأن البشر هم الّذين يحكمون، فالدولة في الإسلام فريضة شرعية لا يجوز إنكارها مما عُلم في الدين بضرورة، وأن هذه الدولة حقيقة مدنية ومرجعية دينية والتزام شرعي، وأن هذه المرجعية تجعل الناس ليسوا في ظل الخُلفاء، بل في ظل السياسة الشرعية." 

«مدنية الدولة» بأنساق متعددة مقاصديا وفقهيا.. إليك 4 أسس. 


ما المقصود بـمدنية الدولة، وكيف تفسرونها عندكم وعند الفُقهاء؟


د. نور الدين الخادمي: "تحديد مدلول مدنيّة الدولة، يُبنى على أساس التحديد العلمي الموضوعي، كما تعارفه أصحابُ الشأن من الحقوقيين والقانونيين والعُلماء، مدنية الدولة مصطلحٌ يُطلق على الدولة في شعبيتها وفي عدالتها وتعدد حكمها، وفي نظامها الذي يحقق أهداف الأصل، مدنية الدولة نسبة إلى المدينة، والمدينة هي العمارة وهي التداول وهي المشاركة، وهي أيضًا نسبة إلى التمدُن -أي التحضُر-، والتحضر هو الإنتاج المادي والروحي، مدنية الدولة في بعضِ إطلاقاتها؛ هي الدولة اللاعسكرية، فهي دولة ضد الطبيعة العسكرية، والفئة العسكرية التي تستولي على الدولة بالانقلاب العسكري، تُسمى دولة عسكرية، فهي ليست مدنية، بالنسبة إلى عموم المواطنين وإلى الهيئات المدنية والعلماء الّذين يشكلون الدولة، كذلك مدنية الدولة ضد ما يعرفُ بالتيوقراطية؛ والّتي يكون الحاكمُ فيها متحدثًا باسم السماء، يضفي على سياسته القداسة والعصمة، ونحن نعلم أن الحاكم في المرجعية الاسلامية، حاكم مدني ليس معصومًا وليس مقدسًا، وإنما هو إنسان انتُخب بالرئاسة أو السلطة بناءً على محددات تلك السلطة وبشريته.
 ولذلك مدنية الدولة مصطلح حقوقي قانوني من الجهة الأولى، وهو كذلك مصطلح شرعي، أي أنه ينتمي إلى السياسة الشرعية؛ بقراءةٍ فقهية أصولية ومقاصدية، وقد تحدث العُلماء كذلك عن أُسس هذه الدولة أو عن مدنية الدولة، والأُسس هي الركائز الّتي تتأسسُ عليها الدولة المدنيّة وهي:

  1.  إنسانية الشعب: أي أن هذا الشعب هو جزء من الإنسانية، الشعب الحُر والإنسان الكريم والإرادة والكفاءة.
  2. التعاقدية: أن الشعب متعاقد مع السُلطة في إدارة الدولة والمحاسبة والتنمية.
  3. المواطنة: وهي أساس مُهم جدًا، أي أن الإنسان في الدولة المدينة هو إنسان مواطن؛ بصرف النظر عن طبيعة هذا الإنسان بانتمائه العرقي أو القبلي أو الانتماء الديني، وأساس الدولة المدينة أن المواطنين ينتمون إليها انتماءً وطنيًا، لا يُعتبر فيه الانتماء الجنسي، بل الناس جميعًا سواء.
  4. المرجعية القانونية والنظام العام: الّذي يُمثل إحدى ركائز الدولة المدنية، وفي دساتير الدول، كدستور دولة تونس، والّذي تحدث عن ثلاث ركائز أساسية وهي:

- إرادة الشعب: والتي يُعبر عنها بصناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات.
- المواطنة: وهي الانتماء على أساس الوطن وليس على أساس العرق، وإن كانت المواطنة تستوعب الأعراق والأجناس.
- الانتماء إلى النظام، والولاء للدولة، وعدم الخيانة، وعدم الغدر والوفاء بالالتزامات.
وأساس المرجعية في الدولة المدنية، عندما نتحدثُ عن الدولة المدنية، لا نُلغي بذلك المرجعية الدينية -الإسلامية أو المسيحية-، فالمرجعية الدينية والثقافية والعرقية؛ هي إحدى مكونات الدولة المدنية في الإسلام، من أصول ومقاصد، وكذلك بمرجعية اسلامية منفتحة على المرجعيات الأخرى، وبهذا يتكون عندنا مفهوم واسع للدولة المدنية، وتكون الدولة المدنية بأنساقٍ متعددة. 

الدولة انعكاس للمجتمع..فهل تكون في الإسلام «خالية من الأحزاب؟»

 
بما أن المجتمع الإسلامي مُجتمع مدنّي، والدولة الإسلامية ذات مرجعية مدنيّة، وتوجد بها مذاهب متعددة وأحزاب سياسية عديدة، كيف تتواجد هذه الأحزاب في المجتمع المدني، وكيف تتعامل السياسة الشرعية معها؟!

د. عبدالمجيد النجار: الدولة هي انعكاس للمجتمع تُعبر عن طموحاته وعن مطالبه وعن إدارته، وتنفذ ما يُمليه هوَ من المشاريع الّتي تُريد أن تكون منهجًا للحياة، غير أن المجتمع أو الشعب لا يُمكن أن يُعبر عن هذه الإرادة وعن هذه المشاريع بكُليته وجمعًا واحدًا، فجغرافيًا وتاريخيًا لا يُمكن أن يكون ذلك.
من هُنا نشأت ضرورة عملية، وهي ضرورة (الانتظام)، انتظام الشعب والمجتمع في كياناتٍ يتوالى بعضها مع بعض ليكون لها رأي في موضوع المشاريع الّتي تُطبقها الدولة، وإن كانت مشاريع اقتصاديّة أو ثقافية، وهذه (الانتظامات)، الّتي تصدُر من المجتمع يُمكن أن نطلق عليها مفهوم (الحِزب).
إذن؛ فالحزبُ هو مجموعة من الناس التقوا على رؤية معينة، ليبلغوا رأيهم للدولة، كي تأخذ بها، وهذه الأحزاب تكون ضمن ما يتفق عليه مجموع الناس بما يخُص مرجعيتها، والعقد الّذي أُبرم مع الدولة.
هناك مبادئ  كُبرى يلتقي عليها الناس، وهي معلومة بالضرورة، وهذه لا يُمكن خرقها، بل يبدأ الانطلاق منها، ثُمّ من الأساليب ومن الأمور العملية ومن الإجراءات، ويتاح لكل الأحزاب أن يكون لها رؤية، ونجدُ الأصل لهذه الأحزاب في ديننا.
لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، نشأت مشكلة كبيرة وهي من يخلفُ الرسول في قيادة الدولة، فانتظم المسلمون في رأيين أو في مجموعتين، يُشبه أن يكون الأمر أنهم اجتمعوا في حزبين، في سقيفة بنّي ساعدة، مجموعة المهاجرين ومجموعة الأنصار، والكل كان له رؤية معينة لحل المشكلة الطارئة، وتناقشوا من أجل استخلاص الرأي، وهذا يمكن أن يكون بذرة تأصيلية للأحزاب في الدولة الإسلامية.
ثم بعد ذلك لما قامت الدولة الاسلامية وتطورت، نشأ بما يُعرف بالفرق الاسلامية، وعددها كبير جدًا، ويُمكن أن يقال أنها فرق عقائدية، تهتمُ بشأن العقائد، وبناءً على أن الدين لا فصل فيه بين الشأن العقائدي والشأن التشريعي والشأن السياسي، بل إنّ السياسي جزء من الدين، فإن هذه الفرق كانت لها رؤية بما يتعلقُ بالحُكم والسياسة، سواءً كان هذا الرأي مباشرا أو غير مُباشر، فهي تُشبه أن تكون أحزابًا، ففي الدولة الاسلامية الحديثة لا ننكر أن تكون هذه الدولة خالية من الأحزاب، بل قد تكون ضرورة من الضروريات، لأنها تُتيح للشعب بأن يُعبر عن آراءه وأن تكون هناك فرصة للتنافس، وفرصة للثراء في المشاريع والطموحات.  

«حملات الحيلولة دون إستعادة الأمة الدورة الحضارية».. لماذا؟ وكيف نواجهها؟ 


في الحروب الشرسة ضد الشعوب المتطلعة لنيل استقلالها والتعبير عن هويتها ووجودها، تتمثل الحملات في الاغتيالات المعنوية لبعض قادة الفكر والثقافة، وتصل أحيانًا إلى السجن بالظلم والاغتيالات الواضحة والمعلنة، فما هو تفسيرُ ذلك؟

د. نور الدين الخادمي: هذه الحملات المتواصلة منذ التاريخ القديم والمعاصر، وأيضًا في الدولة الجديدة بعد مقاومة الاحتلال الأجنبي والهيمنة الخارجية وأيضًا في مقاومة الاحتلال الصهيوني، هذه الحملات تهدفُ -من دونِ شكٍ- إلى ضرب المرجعيات الوطنية والإسلامية والعلمية والحقوقية والعلمية، حتى يُحال بين هذه الشعوب وخياراتها ومصيرها الاقتصادي واستقلالها الحقيقي وسيادتها الوطنية، والاغتيال بأنواع، الرمزي والمعنوي والذي هو التشويه والتشهير وشيطنة الوجوه الوطنية في المجال العلمي والحقوقي والدفاع عن الأوطان، والهيئات العلمية، كل هذا يهدفُ إلى الاغتيال الرمزي من أجل مَنع صعود وجوه جديدة تحل محل الوجوه القديمة الّتي عُرفت بالاستبداد والفساد والاستعباد والظُلم.
هذا صراع منذ القدم ويتجدد بوسائل كثيرة وبمخططات عِدة. 
المُهم أن هذا كله يستهدف هذه الأمة في أن لا تُعاد صورتها الحضاريّة، في إطار عيشها المُشترك وبعدها الإنساني، وهذه الحملات تستهدفُ  الرموز الشبابية والنسائية والحقوقية؛ من أجل الحيلولة دون الوصول إلى الأمة الّتي تعاود نفسها وتستعيد دوراتها الحضارية، من أجل الشعوب التي تُريد أن تقرر سيادتها الوطنية، وأيضًا من أجل الاستقلال الحقيقي للثروات والقوانين والتراب، مع الانفتاح على الآخر. 
فعندما نقول استقلال وطني، لا نعني القطيعة عن العالم الآخر، ولكن الشعوب الثائرة والّتي تتوق إلى الإصلاح وتقرير مصيرها، عليها أن تواصل كفاحها الحقوقي والوطني، عليها أن تواصل خياراتها الحضارية والسليمة والقانونية، من أجل أن تفوت الفرصة على هؤلاء الّذين يتربصون بهذه الأمة وبرموزها. 
والأنبياء والرسل عبر التاريخ هم قمة المرجعيات، فقد ابتلوا بالقتل والظلم والإبعاد، وهذا الابتلاء هو ضمن مهمة التكليف، ولذلك لا بأس لو نتوجه بهذا الكلام لأمتنا من أجل أن تحافظ على وجودها، وأن تستميت في حضارتها فضلًا عن الرسالة في الداخل الإسلامي وخارجه.

هل توجد في التاريخ الإسلامي تطبيقات لنظرة الإسلام للحكم؟ 


 الدولة عبر تاريخها، البعض يصفها أنها دولة ليست عادلة ولم تكن دولة الحريات، بل السمة الغالبة في التاريخ السياسي هي الاضطهاد، لماذا لم نجد إضاءات حولها في العدالة، في الحرية والمصالحة والأمن العام، ما هي تلك الاضاءات المدفونة للدولة في العمل السياسي وفتراته، والتّي يتجاهلها البعض؟

 د. علي الصلابي: تاريخ الخلافة الراشدة وعهد النبوة؛ تعرض لحملات منظمة من قبل المستشرقين من أجل فصل الأمة عن ذلك التاريخ الزاهر والذي جمع بين المثال النظري في حقوق الإنسان والعدالة، والجانب التطبيقي فيما يتعلق بأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، الخلافة الراشدة مثال حقيقي لدولة الدستور والقانون، فالغرب يقدس تاريخه ولا يغيب عنه كالتجرِبة السياسية في روما وكلام أفلاطون والجمهورية اليونانية، لذلك توجد محاولة من قبل المستشرقين باطلة وخاطئة وبعيدة عن العدالة من أجل تشويه تاريخنا الإسلامي. 
أما المحطات في تاريخ الإسلام فدائمًا هي كالشموع في وسط الظلام الإنساني قائمة، كثير من الناس يتهجم على الدولة الأموية، بينما يخرج من صلب هذه الدولة عمر بن عبد العزيز الأموي، ويقدم نموذج راقيا عظيما في العدالة وفي رفع الظُلم والانتصار على الباطل، وفي أماكن متعددة كان يؤمن بأهمية الدعوة.
ونجد أيضًا نور الدين زنكي التركماني، الّذي قاد المشروع الكبير عندما أقام العدل وقضى على الظُلم، بل طلب من بعض العُلماء أن يكتب له سمة عمر بن عبد العزيز في العدل والإنصاف، وإذا عملنا مقارنة بين نور الدين زنكي وعمر بن عبد العزيز، فإننا سنجد تشابها كبيرا في المرجعية والأخلاق والزهد والذكاء.
نذهب إلى المغرب الإسلامي فنجد يوسف بن تشرين، الشخصية العظيمة التي أقامت الحُرية والعدل.
نأتي إلى إسطنبول في عهد سليمان القانوني وعبد الحميد الثاني فنجد العدل والصلاح والتقوى.
ونذهب إلى فترة السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية محاولة إعطاء اللون الأسود للتاريخ الإسلامي، ظلم كبير. فالتاريخ الإسلامي أيام العباسيين نجد به الانفتاح الحضاري والفلسفي والحضارة الإغريقية.