الأزمة هي مجموعة من الظروف والأحداث المفاجئة التي تحمل بين طياتها تهديدات واضحة للأوضاع الراهنة والمستقرة على مستوى الفرد أو المنظمة أو الدولة، ويجدر الذكر أنها حالة طارئة تحدث بشكل مفاجئ ومن علاماتها التأثير بشكل مباشر على الأعمال التي تقوم بها المنظمات والمؤسسات وتحدث خللا سلبيا فيها.
وهناك تعريفات أخرى تشير إلى أن الأزمة هي عبارة عن فترة حرجة أو وضع غير مستقر ينتظر تغييرا وتدخلا مناسبا، وكذلك تعتبر نقطة تحول أو موقف مفاجئ يؤدي إلى أوضاع غير مستقرة وتحدث نتائجًا غير مرغوب فيها في وقت قصير، ما يستلزم اتخاذ قرارات محددة لمواجهة العوارض والتغلب عليها، في وقت تكون فيه الأطراف المعنية غير مستعدة أو غير قادرة على مجابهة الأوضاع الجديدة.
وتُجْمِع كل التعاريف أن مفهوم الأزمات يعني موقف ينتج عن تغيرات بيئية مولدة لها وتتضمن قدرا من الخطورة والتهديد وضيق الوقت والمفاجأة، مما يؤثر على النظام المالي والتجاري وعلى المنظمات الحكومية وغير الحكومية منها، وبالتالي يتطلب استخدام أساليب إدارة مبتكرة وسريعة.
في بعض الأحيان تعتبر الأزمة عرضا أي ما قبل مرحلة الانفجار، مما يقتضي أهمية المبادرة لإيجاد الحلول قبل تفاقم عواقبها، وإلا ستمر بالمراحل التالية:
أولا: مرحلة النشوء
في هذه المرحلة تبدأ ملامح الأزمة بالظهور على شكل أخبار متقطعة قابلة للتصديق والنفي وتبقى أقرب للخيال والاشاعة، وعندما ترتفع وتيرة الحديث عنها وتقترب من الحقيقة تصبح خطر غريب غير متوقع ظهوره رغم كثرة التوقعات المجهولة التوقعات التي تدور حول الأزمة مجهولة الاتجاه والحجم من قبيل: إلى أين ستصل؟ وإلى متى ستدوم؟ وما هي آثارها؟ حيث أنها لا تنشأ من فراغ وإنما ستكون نتيجة لمشكلة كامنة لم يتم حلها في وقتها أو على الأقل بالشكل المناسب، وهنا تظهر نجاعة الحلول السابقة التي اجتهد فيها أصحاب القرار ومدى نجاحهم وصبرهم في اتخاذ القرارات الصحيحة لو انتهت المشكلة دون الظهور للسطح مرة أخرى بشكل جديد وأكثر تعقيدا.
في هذه المرحلة يكون التركيز على عوامل النمو ومن ثم العمل على الإحاطة بها والقضاء عليها لتفادي أي خسارة أو الحاجة إلى رفع مستوى الخطورة بشكل يلحق الأذى بالبيئة المحيطة.
ثانيا: مرحلة النمو والتطور (بقعة الزيت)
ويتم الوصول إلى هذه المرحلة بعد فشل التعامل مع المرحلة الأولى (مرحلة النشوء) في التوقيت المناسب، حيث تأخذ الأزمة شكل بقعة الزيت، وذلك بسبب نشوء الأزمة وعدم معالجتها بالشكل الصحيح وتعتبر دوافع داخلية وأخرى خارجية فستقطبها الأزمة مع الانتقال من مرحلة البداية إلى المرحلة الراهنة.
في تلك المرحلة تزداد بقعة الأزمة اتساعا ويصعب إنكارها أو تجاهلها، وذلك بسبب الضغط المتواصل والاتساع السريع، وهنا تنضم أطراف جديدة إلى مجريات الأحداث خوفا من امتداد الأزمة والوصول اليهم أو للسيطرة عليه وتجنب نتائجها، وفي بعض الأحيان للتحكم بنتائجها.
هنا يجب على أصحاب القرار التدخل من أجل التحكم في مفاصل الأزمة وتخفيف الروافد والمحفزات التي تؤدي إلى تفاقم المشكلة.
ويكون ذلك بعزلها وتحييدها والعمل على تجميد نمو الأزمة والسيطرة على مستواها الذي وصلت إليه وكذلك التحكم في عوامل النمو الذاتي التي أدت إلى اتساع الأزمة.
ثالثا: مرحلة الذروة
هي أخطر طور في مراحل الأزمة، ولا تصل لها إلا بعد عدة أسباب منها:
- تعنت صاحب القرار الإداري برأيه وانغلاقه على ذاته، بالإضافة إلى جهله واستبداده.
- وجود مجموعة من البطانة الفاسدة الذين يؤيدون قراراته الخاطئة، دون العمل على تصويبها.
وهنا تصل الأزمة إلى أعلى قوتها وعنفها، ويفقد صاحب القرار السيطرة عليها بل تصبح عنيفة جدا وبالتالي تؤدي إلى طريق مسدود، وتساهم في الاطاحة بصاحب القرار وربما بالمؤسسة أو المشروع الذي يعمل به، أو يقوم بتحويل مسار الأزمة وذلك بالتضحية ببعض أعضاء إدارته أو معاونيه (كبش فداء)، أي حل وهمي يساعد في تخفيف الأزمة وانتقالها إلى مرحلة الانحسار والضمور والتركيز على نقاط القوة والاستثمار بها والسيطرة عليها، وهذا في حالة وجود إدارة منفتحة مسؤولة وتستشير أهل الخبرة فهي بذلك لن تصل إلى هذه المرحلة.
رابعا: مرحلة الانحسار والضمور
تكون هذه المرحلة نتيجة الوصول إلى طريق مسدود وبالتالي ضرورة اتخاذ إجراءات عنيفة تفقد الأزمة قوتها، وفي بعض الأحيان تتشكل قوى دافعة جديدة، ربما تجدد الأزمة أو تؤجلها، وتصبح في حالة مد وجزر أو تتعرض للتلاشي بالقدم أو إلى تصدير الأزمة باختلاق أزمة أخرى.
خامسا: مرحلة الاختفاء
من خصائص هذه المرحلة فقدان القوة الدافعة للأزمة وتلاشي الاهتمام بها والحديث عنها، وعلى ضرورة الاستفادة من الأحداث المتتالية ومراقبة التطورات التي ربما تساعد في إحياء أسباب الأزمة والعمل على تلافي السلبيات في المستقبل، مما يعطي مرونة للإدارة وتكيف نظامها مع المتغيرات القادمة، ودفع المنظمة إلى إعادة بناء كيانها واستعادة فاعليته وإكسابه خبرة في معالجة الأزمات.
يمكننا تلخيص ما سبق بالقول أن بداية الأزمة يرافقها شعور بالقلق، ومع استمرار التأثير تنمو الأزمة، ومن ثم تذهب الأزمة لمرحلة الذروة في حال عدم مجابهتها والسيطرة عليها خلال مرحلتي النشوء والنمو، وبالتالي تمر الأزمة بمرحلتي الانحسار والاختفاء على التتالي لسببين، إما لأنها حققت أهدافها أو لأن هناك من واجهها وقضى عليها.
كيف يتفاعل الناس مع الأزمات؟
تنقسم الطبيعة النفسية عند البشر إلى أربع فئات للتعامل مع الأزمات، وسنأخذ أزمة كورونا مثالًا على ذلك..
النوع الأول
يبسط المعلومة ويقلل من خطورة الحدث، فعندما ظهر فيروس كورونا في الصين كانوا مطمئنين بعدم وصول العدوى إليهم بمجرد أنهم لا يأكلون الخفافيش أو يبنون قناعاتهم على أحداث سابقة كأنفلونزا الدجاج وإيبولا مثلا، ويعود ذلك إلى عدم قدرتهم على استيعاب الوضع تمامًا بسبب الضغط الشديد على العقل. عندما يدرك الإنسان أي خطر إما يواجه أو يهرب، لكن في هذه الحالة كان المطلوب منا البقاء في البيت.
إضافة إلى عدم القدرة على تذكر المعلومات الضرورية، ويعود ذلك لتلقي كم كبير من الأخبار فيتم إهمال الضروري من الإجراءات والإرشادات والتركيز على الثانوية منها، أي عندما يطلب منه عدم المصافحة والحفاظ على التباعد الجسدي يفعل العكس.
كما يعمد إلى إساءة تقدير الأشياء بفعل الضغط مما يجعله يتعامل مع الوضع بعادات وتقاليد قديمة كالعمل على نشر وصفات طبية أو شعبية لا علاقة لها بالوباء الجديد، وهنا يقوم العقل بالعودة إلى منطقة الراحة بعد عجزه عن معرفة ما يدور حوله مع مشاعر الخوف والاستسلام والتخبط، هنا ينصح على المستوى الشخصي أو المؤسسي استخدام رسائل بسيطة تصل لهم بسهولة ودون تأويلات لأنهم يحتاجونها.
النوع الثاني
يتمسكون بمعتقداتهم الحالية حين الأزمة وأي طلب من الأمن أو الجهة صاحبة القرار سيبدو غير منطقي بالنسبة لهم، وخاصة عندما يتعارض مع أوضاعهم العادية كخروجهم من المنزل يوميا والجلوس في المقاهي، أو أي عمل يمارسه بشكل روتيني.
هذا النوع سيحاول البحث عن الحقائق والتأكد بنفسه، ولا يقبل بأي رواية غير موثوقة ويعملون على مشاهدة الحقائق بأنفسهم، هم يحتاجون إلى مصدر رسمي وموثوق للتأكد من أخبارك بعد إبلاغهم وسماعهم لها ولضبط عملية رد الفعل.
النوع الثالث
يبحثون عن المزيد من المعلومات والآراء، وينتقلون من قناة إلى أخرى ومن مصدر إلى آخر للتأكد من الخبر ويتواصلون مع الأقرباء والأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك للتأكد وصول نفس الخبر إليهم بهذه الطريقة يعتمدون المعلومة.
أما البعض منهم يعتمد على نصيحة القادة أو المؤثرين مثل الكتاب والمفكّرين والمشاهير ويعود ذلك للثقة السابقة بأقوالهم وآرائهم فيأخذون منهم التعليمات، بالإضافة إلى الاطلاع على عدة قنوات في التواصل الاجتماعي لمعرفة ما الذي يقوله الناس في دائرة التواصل الخاصة بهم متأثرين بها سلبا أو إيجابا، فسلامة الآراء تأتي من دائرة التواصل الواعية والمدركة لما يدور من حولها.
النوع الرابع
يصدقون الرسالة الأولى لما لها من أثر كبير عليهم، لذلك يجب علينا إطلاق الرسائل الصحيحة من البداية، وفي حال غياب المعلومات الأساسية يتسبب ذلك في انتشار الشائعات، لذا علينا أن نراعي أن تكون المعلومات بسيطة، موثوقة، ثابتة ومستمرة مثل خليك في البيت (stay home) وهنا تكرار المعلومة البسيطة الصادقة يساعد في ثباتها وتقبلها من العاقل الباطن لضمان السلامة والأمان.
من أجل أن تصل رسالتك للجمهور المستهدف، يجب أن تكون الرسالة مكررة وموثوقة، وهنا يعتبر تحديد الطارئ الذي تتم مواجهته ذا أهمية كبرى، وخاصة عند الأزمات الصحية التي تهدد السلامة البشرية فيجب حماية النفس والمكان.
هناك أزمات من نوع آخر منها ما يهدد شركات أو موارد أو مشروع معين، كذلك يتعين علينا استخدام رسائل واضحة وسريعة، بالإضافة إلى عرض واقترح تصرفات إيجابية وإرشادات واضحة يمكن تطبيقها بسهولة، مثل: غسل اليدين لمدة 20 ثانية على الأقل، البس الكمامة، اغسل الأشياء، حافظ على التباعد الجسدي.
مهم جدا إطلاق رسائلك في أسرع وقت، فالأزمات تحتاج سرعة في التعامل على قدر دقتك وحرصك، وكلما تأخرت في رسالتك كلما واجهتك صعوبة في التأثير والعكس صحيح بناء على رأي خبراء العلاقات العامة والإعلام.