تنزل النوازل، وتصرخ الظواهر الطبيعية، وتعصف بالأرض كالزلازل والأعاصير وتتفشى الأمراض بين الأمم، وبين أمم بعينها دون أخرى، سنن الله في كونه.

فعلى غفلة تزمجر الطبيعة مجدداً بهزات أرضية في كل من تركيا وسوريا، حيث رأينا منها مشاهد تُدمي القلبَ، فلا يمكن لأيّ إنسان أن يُكمل مشاهدتها من هول ما بها من مناظر مفزعة بشعة يشيب الولدان من هولها، نسأل الله لهم العون والحماية والجنة لمن ارتقى والشفاء العاجل للمصابين، وأن آخر ما تأثرت به البشرية جمعاء "فيروس كورونا" الذي نشر الرعب والهلع وسط سكان المعمورة، وهو ما يجعلنا نتأمل في ظاهرة ارتباط الكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة بالعقوبة الالهية لكل البشر أو لبعضهم. 

فعلى الرغم من وجود العديد من الارتباطات التي تربط الإنسان بما وراء الطبيعة بشكل يفوق أي ارتباط آخر، بواسطة ارتباطه الديني فلا مناص من اللجوء للسماء في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظرف، سواء في ذلك ظروف الأمن والسلام أو ظروف التوتر، والاضطرابات والكوارث الطبيعية.

لكن هل تقف المسألة عند هذا الحد؟ هل يكتفي الإنسان المتدين عند حدوث ما لا يسره باللجوء لله والدعاء والتضرع؟.. لو كان الأمر كذلك لما كانت هذه السطور.

إن الظواهر الطبيعية بصنوفها كالزلازل والفيضانات، والأعاصير، وثوران البراكين، وحتى الأمراض والفيروسات لم تصب الأرض مؤخراً فقط، بل لها حكايات تاريخية مديدة مع الإنسان وأرضه وسمائه، وبدنه، ونفسه.

لكن عالم السوشيال ميديا اليوم، وبفضل توفر صور الأحداث في كل مكان، وتداولها على نطاق واسع بين الملايين من البشر قد أعطى للكوارث الطبيعية رواجاً أكثر، وما جعل الرعب يطرق باب كل بيت، ليرمي الخوف في قلب الصغير مع الكبير، وبين كل من يملك جهاز تواصل سمعياً كان أم بصرياً.

إن عالم الغيب والخفايا له مصدر واحد لا غير، الذي يرانا ولا نراه -جل شأنه- في ملكوته -سبحانه وتعالى-، لذلك فإن التدخل فيما هو فوق علمك وقدرتك فيما هو خافٍ عنك لا يعني إلا ادعاء ليس في محله، ودخول في منطقة الخطر والمحرم. صحيح أن الظواهر جند من جنود الله، يستعملها كيف يشاء ومتى يشاء، وبنص القرآن الكريم وحديث نبيه الأمين يعذب بها، لكنه أيضاً ينصر بها، صحيح أنها قد تكون عذاباً للظلمة وابتلاء للمؤمنين، صحيح أنه يدمر قرى بأكملها كيف يشاء وبأي جند شاء.

لكن غير المقبول، والذي يتعدى فيه الإنسان حدوده، وهو ما استوجب منا التبيين والتحذير بعد ملاحظاتنا لمسألة تعدي الحدود، أن ينصّب الإنسان نفسه متحدثاً رسمياً باسم السماء، وكأن وحياً قد خُصّ به دون غيره من البشر، فيصل به التطاول إلى درجة أن يقول بملء فيه عن ظاهرة يخفى عليه كيف حدثت، فما بالك بتفسير لماذا حدثت، فيدّعى أنها حدثت لعذاب قوم بأعينهم، أو أن كارثة بعينها نزلت لردع قوم وغطرسة قوم وابتعادهم عن الطريق القويم، ويحك ما أجرأك على الغيب.

لقد سمعنا من البعض وعلى إثر زلزال تركيا وسوريا، رحم الله الضحايا ونجى من بقي تحت الأنقاض، يتألى على الله بأن الزلزال جاء ليعذب ونزل لغضب من الله، وقالوا هو عذاب لأن القوم فعلوا كذا وكذا، ويحك أفي وعيك أنت حتى تتحدث بهذه الجرأة، هل تُحط بعلم الله؟ إنها الوصاية والتنصيب باسم السماء.

وهم هم نفس المتحدثين خرجوا على الناس أيام "فيروس كورونا" وبنفس الجرأة حدثوهم، وبذات البيان المتطاول المبعوث من السماء، بأنه عقاب من الله سبحانه وتعالى.

الظاهر الجليّ أن هذا الحديث ينتشر ويتكثف في أوقات المحن والأزمات، لكن ليس له مكان يمكن أن ينتشي فيه سوى في عالم الجهل والخرافة والدجل، أما عالم المعرفة والتدين الصحيح فيطمس نجمها. 

ما وراء الظواهر علمه عند الله، والتوبة والاحتياط واجب في كل الأوقات، أسودها وأبيضها، وحدوث الظواهر يُذكر بكثير من الأشياء، منها على سبيل المثال لا الحصر ضرورة العودة إلى الله، ضرورة الاستقامة والتوبة والإنابة، ومعرفة قدرة الله، والتنبيه وضرورة المراجعة، ويستدعي أسئلة البدايات والنهايات كما أنها آية من كتاب الله المنظور تستوجب القراءة، والتأمل والتدبر.

لكن نجدد الحديث القطعي أن ما وراء الكوارث الطبيعية لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- والقطع بأنها نزلت للعذاب ولأن الإله غاضب، وجزاء المعصية من عباده هي مشاركة الإنسان فيما لا يعنيه، وما لم يحط به علماً.

في هذه الأحداث المهولة القاسية المحبوكة الرعب، لا مجال سوى للمواساة والتعاضد، فالعقيدة الصافية لا مكان فيها سوى للأمل في رحمة الله، ورفع الكفين تضرعاً ومناجاة، أما التطاول والجرأة على الله والقطع بأن الكوارث الطبيعية عذاب من الله أرسله للبعض ليعذبهم، فهو في صريح القول تعدٍّ على حدود الله. 

من باب الأمل في الله نستحضر الحديث النبوي، حيث قال صلى الله عليه وسلم: الشهداء خمسة: (المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)

فاللهم ارحم جميع الشهداء وأنزل سكينتك ورحمتك على الأحياء، وكن مع المستضعفين، فليس لهم سواك، فقد أثخنتهم الحروب والصراعات، والكوارث، فاللهم اجعل لهم مخرجاً، وأخيراً ناصحاً لله يجب أن تتأدبوا مع الله، وانشروا العلم ورحمة الله بدلاً من إلقاء الرعب في قلوب الناس.