جاء هذا المقال رداًعلى الهجوم الذي استهدف صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قبل أعدائهم، مما أوجب التذكير بسيرة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفضائِلهم وعدلهم وخِصالهم ومكانتهم وأثرهم وفضلهم على العالمين. ولأنكم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فالكل أمام مسؤولية كبرى، فمن واجب عُلمائنا وأبناء أمتنا التصدي لتلك الهجمات المغرضة، ورفع مكانة الصحابة والذود عنهم؛ لأنهم خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين.
لقد صحب النبي (صلى الله عليه وسلم)كثير من الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، حيث يقول أبو زرعة الرازي رحمه الله: "توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية (البداية والنهاية، ابن كثير، 5/309).
واتفق أهل السُّنة على عدالة جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم في كتابه العزيز، واختياره لهم، وكذلك زكاهم صلى الله عليه وسلم وبيَّن فضلهم على من بعدهم، وإن كثرة الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة تقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم إلى تعديل أحد من الناس.
حيث روى أحمد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء" حديث حسن (مسند أحمد، ج6، ص 84).
وعن عدالة الصحابة رضوان الله عليهم
في القرآن الكريم،
قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 100).
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال: 74).
وقوله تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(التوبة: 88 – 89).
وفي الآية القرآنية:﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾(النمل: 59).
وفي تفسير العلامة ابن جرير الطبري: "الذين اصطفاهم، يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدين الذي بعقه بالدعاء إليه دون المشركين به الجاحدين نبوة نبيه"، وهذا ما قاله سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وعلي بن سهل والسفاريني وابن تيمية.
ومثل قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ] (سورة البينة: 7 – 8).
فالتصور القرآني لمنزلة الصحابة وقُربهم من رسول الله لا تشوبه شائبة وهذا التصور هو حجة على الخلق في كل زمان ومكان.
وفي السنة النبوية
جاء في قول سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم: "وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"، معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه ولطوع قرن الشيطان وظهور الروم وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك، فهذا الحديث تضمن فضيلة الصحابة رضي الله عنهم على وجه عام كما اشتمل على بيان منزلتهم ومكانتهم العالية في الأمة، وأنهم في الأمة بمنزلة النجوم من السماء. (عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام، ص 82).
وعند الإمام مسلم بلفظ كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أردك مد أحدهم ولا نصيفه". (صحيح مسلم، 4/ 1967).
ومن الأحاديث الدالة على فضلهم وعلو منزلتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشّر من رآه وآمن به واتبعه وصدقه أن له طوبى والصحابة رضي الله عنهم حازوا قصب السبق في هذا على كل أحد أتى بعدهم. (عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام، ص 90).
وقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل النار – إن شاء الله – من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها" (مسلم، 2496)
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" (صحيح الجامع، الألباني، 6285).
فالصحابة رضي الله عنهم كانوا في غاية التحلي بالصفات الطيبة التي زكت بها نفوسهم وطهرت بها قلوبهم، وعلت بها مكانتهم، فكانوا صفوة الأمة وأعلاها وأكملها فطرة وأصفاها أذهاناً، وبذلك كان مجتمعهم مجتمع الطهر والنقاء والصفاء رضوان الله عليهم أجمعين.
وعند أهل السلف
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى: "فأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل وهم الذين اختارهم الله – عز وجل – لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقه فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بَلَغهم عن الله – عز وجل – وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب ووعوهوأتقنوه ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونبيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستباطهم عنه، فشرفهم الله – عز وجل – بما منَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز وسماهم عدول الأمة فقال عز وجل في محكم كتابه: "كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (سورة البقرة: 143). (عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام، ص 105 – 106).
وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي في مقدمة رسالته المشهورة الثمر الداني في تقريب المعاني في ص 22 – 23: "وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين وأن لا يذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم حسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب" (عقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام، ص 107).