ذُكِرَ لفظُ الوزنِ والميزانِ في القرآن الكريم في ثلاث وعشرين آية، منها خمس عشرة آية خاصّةً بالبحث على إقامةِ العدل في ميزان الدنيا، والحذرِ من التطفيفِ في الكيل والميزان... المستوجبِ لعذابِ الله، ومنها ثماني آيات خاصة بالوزن في الآخرة.
قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ﴾ [الأنبياء: 47] قال العلماءُ: وإذا انقضى الحسابُ كان بعدَه وزنُ الأعمال، والوزنُ لإظهارِ مقاديرِها، ليكونَ الجزاءُ بحسبها.
وقد دلّتِ السنة المطهرة على أنَّ الميزانَ ميزانٌ حقيقي، لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، قال رسول الله (ﷺ): « يُوْضَعُ الميزانُ يوم القيامةِ، فلو وُزِنَ فيه السماواتُ والأرضُ لوسعتْ، فتقولُ الملائكةُ: يا ربِّ لِمَنْ يَزِنْ هـذا ؟ فيقولُ الله تعالى: لمن شئتُ مِنْ خَلْقِي، فتقولُ الملائكةُ: مَنْ تجيزُ على هـذا ؟ فيقولُ: مَنْ شئتُ مِنْ خَلْقِي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حقَّ عبادتك».
1 ـ دقة الميزان:
قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *﴾ [الأنبياء: 47]
يخبِرُ تعالى في هـذه الآية عن القضاء العادل يومَ القيامةِ بأنّه يوازِنُ بين أعمال العباد موازنةً دقيقةً، فيحاسبُ كُلاًّ على أعماله، ووصفَ الله تعالى الموازينَ بالقسطِ، لأنَّ الميزانَ قد يكونُ مستقيماً، وقد يكون بخلافه، فبيَّن أنَّ تلك الموازين تجري على حدِّ العدل والقسطِ، وأكد ذلك بقوله: ﴿فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾.
وقد صور القرآن الكريم دقّة الموازنةَ بصورةٍ حسيةٍ من مألوف الناس، قال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ *﴾ [الأعراف: 8 ـ 9].
كما صوّر الحديثُ النبويُّ ذلك الميزان الدقيق العادل بصورة حسية قال رسول الله (ﷺ): « تُوْضَعُ الموازينُ يومَ القيامةِ، فيُؤْتَى بالرَّجُلِ، فيوضَعُ في كِفّةٍ، فيُوْضَعُ ما أحْصِي عليه، فَتَمَايلَ به الميزانُ، قال: فَيُبْعَثُ به إلى النَّارِ، قال: فإذا أُدْبِرَ بهِ، إذا صائحٌ يصيحُ من عندِ الرحمنِ يقول: لا تَعْجَلُوا لا تَعْجَلُوا، فإنَّه قد بقيَ له، فُيؤتَى ببطاقةٍ فيها، لا إلـه إلا الله، فتوضعُ مع الرَّجُل في كِفّةٍ، حتّى يميلَ به الميزانُ ».
2 ـ المؤمنون هم المفلحون:
ذكر الله سبحانه في القرآن الكريم أنَّ مَنْ ثَقُلَتْ موازينُه بأنْ رجحتْ من موازين أعمالُه بالإيمانِ وكثرةِ الحسناتِ، فأولـئك هم الفائزون بالجنة، الناجونَ من العذابِ، فالمؤمنون على تفاوت درجاتهم في الأعمال همُ المفلحون، وإنْ عُذّبوا على بعضِ ذنوبهم بمقدارها.وفي ذلك يقول الله في آيات كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ *فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ *﴾ [المؤمنون: 101 ـ 104] وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ *فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ *﴾ [القارعة: 6 ـ 7].
3 ـ الأعمال التي تثْقُلُ في الميزانِ:
إنّ كلَّ أعمالِ البرِّ والطاعةِ تثقلُ في الميزانِ، وتجعلُ كِفّةَ الحسناتِ راجحةً على كِفّةِ السيئاتِ، ولكنْ هناكَ أشياءُ تجعلُ كفَّة الحسناتِ ثقيلةً جدّاً، منها:
أ ـ حُسْنُ الخلق: قال رسول الله (ﷺ): « ما مِنْ شيءٍ أَثْقَلُ في ميزانِ العبدِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحِشَ البَذِيءَ».
ب ـ تسبيح الله وتحميده: قال رسول الله (ﷺ): « كلمتانِ خفيفتانِ على اللسانِ، ثقيلتانِ في الميزانِ، حبيبتانِ إلى الرحمنِ: سبحانَ اللهِ وبحمدهِ وسبحانَ اللهِ العظيم ».
ج ـ الحمد لله: قال رسول الله (ﷺ): « الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحمدُ لله تملأُ الميزانَ، وسُبحانَ الله والحمْدُ للهِ تملان ـ أو تملأ ـ ما بينَ السماواتِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآن حُجَّةٌ لكَ أو عليكَ، كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَه، فمعتقُها أو موبقُها »[(474)]. ففي قوله: «وسبحان الله والحمد لله تملان ـ تملأ ـ ما بين السمـوات والأرض » سببُ عظيمُ فضلِها ما اشتملت عليه من التنزيه لله تعالى، والافتقار إليه.
د ـ احتباسُ الخيلِ في سبيل الله: قال رسول الله (ﷺ): « مَنِ احتبسَ فرساً في سبيلِ اللهِ إيماناً باللهِ، وتصديقاً بوعدِهِ، كان شِبَعُهُ ورِيُّهُ وَرْوثُهُ وبَوْلُهُ حسناتٍ في ميزانه يومَ القيامةِ ». (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص ( 2 / 134 ).