إن العقل إذا صحّ فهو المنحة التي لا يوازيها شيء، وإذا اختلّ فهو البَلوى التي لا يتلافاها شيء. 

أبو حيان التوحيدي

أحلم بأن أعيش في دولة يُحترم فيها العقل والمنطق، وليس هناك تناقض فيها بين الدين والعقل السليم، أو بين الشريعة والفلسفة الصحيحة.

كثير من الناس يعتبر النظر في كتب الفلسفة والمنطق رجس من عمل الشيطان، وينبغي على العاقل اجتنابه، وأنا أزعم أنه لا يوجد تناقض بين المنطق السليم والدين.

بناء على عدم وجود هذا التعارض أزعم كذلك أن كلّ ما في دين الإسلام منطقي، ومن اليسير على العقل الإنساني -إذا كان سليماً- أن يتقبله ويقتنع به، لأن كل قضايا الدين ومقاصد التشريع، تنطلق من نقطة واحدة وهي إثبات وجود الله عز وجلّ، وإفراده بالعبادة، وإثبات وجوده وقدرته سبحانه له أدلة عقلية منطقية وعلمية كذلك، فعندها نؤمن بالرسل الذين أرسلهم، وبالكتب التي أنزلها، وبالملائكة التي خلقها، وبالآخرة، وبأنه من حقه كخالق أن تتم عبادته كما يشاء هو لا المخلوقات التي خلقها، ومن حقه أن يشرّع لمخلوقاته ما يشاء، وغير ذلك من الأمور، فإذا أثبتنا وجوده وقدرته سبحانه تصبح كل الشريعة الصحيحة منطقية.

وظيفة علم المنطق

إن مهمة علم المنطق والفلسفة  هو مساعدة الإنسان على التفكير بطريقة أفضل، وإصدار الأحكام بطريقة أحكم، وتجاوز أخطاء التفكير للوصول للتفكير السليم الذي يقبله العقل (وهذا مقصود الإسلام كذلك).

وهنا أنصح بقراءة كتاب "قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن" لمؤلفه الشيخ "نديم الجسر"، مفتي طرابلس في لبنان، فهو من الكتب القلائل التي غيّرت حياتي، كما غيّرت نظرتي إلى الفلسفة والمنطق.

وهذا الكتاب هو عبارة عن قصة خيالية لشاب يبحث عن الحقيقة (اسمه حيران بن الأضعف!) تتلمذ عند شيخه (الشيخ الموزون)، وبقية القصة عبارة عن حوار فيه تلخيص للفلسفة وآراء الفلاسفة ومقارنتها بالعلم وكذلك بالقرآن، ويثبت خلالها الشيخ الموزون لتلميذه حيران أن الفلسفة التي تعتمد على المنطق السليم، لا تتعارض مع العلم ولا مع القرآن والإسلام، بل إنها تصل بالعقل إلى إثبات قطعي لوجود الله تعالى، وفي نهاية الكتاب يثبت المؤلف من خلال هذه القصة عدم وجود أي تناقض بين القرآن والعلم والفلسفة.


إِذا صَحَّ حسُّ الْمَرْء صَحَّ قِيَاسه وَلَيْسَ يَصح الْعقل من فَاسد الْحس

شعوذة باسم الدين

أحلم كذلك أن أعيش في دولة تخلو من الشعوذة التي تكون باسم الدين، ومن أمثلة ذلك انتشار الشعوذة باسم السحر، حيث أن نظرتي إليه أنه علم وليس قدرة، وقد صرّح القرآن الكريم بذلك في معرض حديثه عن قصة "هاروت وماروت"، قال تعالى:(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ..) البقرة/102، وتأمل دقة التعبير القرآني (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)، فالسحر علم وليس قدرة لدى الساحر. 

تأثير السحر

أؤمن كذلك أن السحرلا يؤثر على الإنسان ذاته، بل يؤثرعلى ما يراه ويتخيله فقط، قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام مع سحرة فرعون: (قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)) الأعراف.

وقال في سورة طه/66: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)، ومرة أخرى تأمل دقة التعبير القرآني (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ)، (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ).

لكن كثيراً من المشعوذين اليوم يستخدمون السحر تجارة يضحكون بها على عقول العامة من الناس، ليرفعوا من مكانتهم في المجتمع، ويسلبوا أموال الناس بالباطل. 

دكاكين الأحلام

وهنا لا بد من الحديث حول "دكاكين الأحلام"، وأعني بها القنوات الفضائية التي أصبح شغلها الشاغل، تفسير الأحلام وتأويل الرؤى.

كم أتمنى أن يكفّ هؤلاء عن العبث بعقول الناس ومستقبلهم، تحت شعار "تفسير الأحلام" وأّلّا يتم تفسير إلا ما تنطبق عليه شروط الرؤيا الصحيحة، والتي من أهمها – من وجهة نظري – تكرار الرؤيا عدة مراتب كل تفاصيلها، ونستثني من ذلك رؤيا الأنبياء لأنها وحي وحقّ، فتكفيهم مرة واحدة، ولا يشترط التكرار. 

العين حقّ

أما العين فهي حقّ كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام: ((اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ)) ابن ماجه.

لكن تفسير الأشياء على أنها "عين"، فهي من اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه من علم الغيب، فالعين حق ولا شكّ، لكننا جاهلون بما حدث، ولا ندري ما السبب الحقيقي أهو عين أم جرثومة أم قرار خاطئ، لذا فالأولى أن نستعين بالطب والعلم، وليس للتفسير الغيبي لأننا لا نعرف الغيب، ولا ندركه.

ألف ركعة في ليلة

كذلك لا أنخدع ببعض المواقف والحكايات التي يبالغ فيها رواتها، وتتناقض مع المنطق والعقل السليم، مثل القصص التاريخية المبالغ فيها عن العلماء أو العباد أو الأبطال كمن يصلي ألف ركعة في الليلة، أو من يقتل مائة بضربة واحدة، أو يقرأ القرآن في ركعة واحدة، وللأسف كتب التراجم والزهد مليئة بمثل تلك القصص التي ليس عليها دليل، ولا تنسجم مع المنطق السليم.

وقس على ذلك أمورا كثيرة محدثة في زماننا، تمارس باسم الدين تارة، مما ذكرنا من السحر والعين وتفسير الأحلام، وكذلك تلبس الجن بالإنس، الذي لا يعدو خرافة صنعتها أيدي بعض الدجالين، فقد قال الله تعالى عن الشيطان: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل/100.

وكل الأحاديث التي تتناول تلبس الجن بالإنس إما ضعيفة أو مختلف على صحتها، وأمور الغيب (مثل الجن) من أمور العقيدة التي لا تؤخذ إلا من الصحيح، وأما تفسير الآية (إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) البقرة/275، فالمقصود هو حركات تشنج المصاب بمرض الصرع، والذي يصر على تفسير (المس) بأنه (التلبس) فيلزمه أن يقول بأن سيدنا أيوب عليه السلام قد تلبسه الجن، حيث جاء لفظ (المس) في قوله: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) ص/41، وهذا لا يقوله أحد.

وأمور أخرى تمارس تدجيلاً باسم العلم، كالعلاج بالطاقة، أو بخط الزمن، أو بالصخور، أو العلاج بالإيحاء، أو التنويم المغناطيسي، أو التحكم بالعقل باستعمال العقل الباطن، أو التأثير النفسي باستخدام البرمجة اللغوية العصبية "NLP"، وغيرها كثير، وكلها تدخل في دائرة الخرافات التي لا أصل علمي لها، هدفها في النهاية الضحك على عقول الناس وسلبهم أموالهم.