إننا في ملحمة تاريخية فاصلة الآن، ونحن في جوف النار الناشبة، وليس لدينا ما يكفي من المظلات للاحتماء من تلك الكائنات المحطَّمة التي تَنحشِر بيننا، وتطوف حولنا.

فلسنا في وارد استقبال الكائنات المحبَطة الذين لا يحسنون سوى بثّ الكآبة والإحباط وإشاعة العدوَى بها، ويعيشون في بيت من مرايا اليأس الأسود الذي يبتلعهم.

ولسنا في وارد الاستماع لأولئك المسؤولين المرضى المهزومين نفسيّاً، والذين يحسَبون كلَّ صيحةٍ عليهم، ويرتبكون في قلقٍ ورعبٍ وجُبنٍ عند كل خبر يضغط به العدوّ بالدم والدمار.

ولسنا في وارد استقبال الكائنات البكّاءة المنغمسين في تأثّرهم وانفعالاتهم الذين يشيعون الحزن والتفجّع في أوساطنا، ولا يرون المفاخر التي سطّرها أبطالنا في ملحمة السابع العظيم.

ولسنا في وارد استقبال الكائنات الفتّانة النَّقَدة الذين يبحثون عن الخلافات، ويثيرونها، ويوزعون الاتهامات، ويدلّلون عليها، بينما الحريق يشتعل.

 ولسنا في وارد النظر إلى أولئك الباحثين عن فرصة للارتزاق السياسيّ وسرقة متاع الحرب، وانتظار نتائجها، ويُلَمْلِمون ما تبقى من جثّة مشروع السلام ليحيوها بنفخةٍ حَرامٍ، بينما يختبئون في زوايا المشهد البعيد يذرفون دموع التماسيح الباردة.

ولسنا في وارد انتظارِ أصحابِ النّفَسِ البطيء، والمواقف العالقة في المنتصف، بينما جنودُنا في الخنادق يرفعون أيديهم الآن منها ليجدوا مَن يمدّهم بسلاح يواصلون به القتال، ولا يبحثون في خنادقهم عن كلماتٍ مواسِية، ولا موقفٍ استعراضيّ، ولا مزايدات كلامية.

إن هذه الحرب لا تريد إلا أصحاب القلوب الحديديّة المنيعة الذين يهجمون بلا خوف، ويُقبلون بلا التفات للوراء، ويحسمون القرار بلا تردّد، ويقاتلون بلا هوادة، إذ لا وقتَ لترفِ احتسابِ الأوجاعِ في أتون المعركة، فإنّ ما يذهب لا يعود.

وهي حرب متسارعة تسبق الزمن البطيء، وترفض الوقوف عنده، وإذا وَقَفتْ عند الزمن ساعةً فإنها وقفتْ لتقفز ساعتين أمامه، فلا مجال الآن لإنضاج التجارب المكرّرة، ولا إكمال الترتيبات المقرّرة، ولا تحرير قواعد الكتابة وفصول السياسة، فقد يذهب كلّ شيء قبل بلوغ التمام، فاستخدِم ما أمكنك.

 وهي حربٌ نحتاج فيها إلى كلّ شيء وكلّ شيء وكلّ شيء في كل مكان، وفي التوّ، وفي اللحظة، بلا تَراخٍ، فلا تخذلوا الخنادق المشتعلة!