لا يعلم كثيرون أن أبا هريرة زار قومه المرابطين على ساحل الرملة، وكانوا مرابطين بأوامر من قائد أجناد الشام عامر بن الجراح، وهناك تعرّضوا لهجوم عسكري من قبط الإسكندريّة، ويروي ابن حِبان في صحيحه عن أبي هريرة أنه كان في الرباط، ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس فانصرف الناس، وأبو هريرة واقفٌ، فمرّ به إنسانٌ، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (موقفُ ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود).
ويروي لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب حديثاً جليلاً نوصي به أهلنا في الثغر النازف الآن في قطاعنا الثائر، إذ يروي ابن عمر عن رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه:( ألا أنبئكم بليلةٍ أفضل من ليلة القدر؟ حارسٌ حَرَسَ في أرضِ خوفٍ، لعلّه لا يرجع إلى أهله) رواه النسائي والبيهقي والحاكم وابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
واليوم قد ضرب الخوفُ كل ناحية في قطاعنا بسبب هذا القصف المجنون وأحزمة النار التي لا يتوقف لهيبها، فهي أرض خوف ورَوع، وكما وصفها رسولُ الله أنّ أحدهم "لعله لا يرجع إلى أهله" فهم مهددون بالموت في كل ساعة، وقد استودعوا أرواحهم لله، وقد يئسوا من الحياة، ولم يعودوا يرجونها.
وقد جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ليلة الحارس أفضل من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وموضعُ التفضيل هنا أن من يحيي ليلة القدر إنما يرجو فِكاك نفسه وعتقها من النار، وأما الحارس في سبيل الله فهو يتعدى بعمله طائفة واسعة من الناس إذ يرجو صيانة أنفسهم وأعراضهم ومرافقهم وإزالة الخوف عنهم والذبّ عن حِياضهم، فخيرُه مُتعدّ مبارِك، فكيف إذا اجتمعت له ليلة الحراسة وليلة القدر.
ومما يؤكد حديث ابن عمر ما رواه عثمان بن عفان مرفوعاً: (حرسُ ليلةٍ في سبيل الله خيرٌ من ألف ليلةٍ يُقامُ ليلُها، ويُصام نهارُها) رواه الحاكم وصححه ابن ماجه، ويروي عقبة بن عامر أن رسول الله قال: (رحم اللهُ حارِس الحَرَس) رواه ابن ماجه والحاكم وصححه.
فأبشروا أيها المرابطون القائمون على الثغر فإن كل ليلة تمرّ عليكم تحت النار، وأنتم صابرون ثابتون منافِحون بألف شهر، فلا تفوتكم هذه النيّة، وانشروها بين أهلكم.