الفاضلُ لا يُخفي مَصدَرهُ في الإفادة ولو كان في نظرِ الناسِ كبيراً مُقدَّماً. ونحن نرى الآن أقزاماً لا زالوا على شاطئ المعرفة، ويأنَـفُ أحدُهم من أنْ يُحيلَ معلومةً إلى صاحبها، وتَـثْـقُـلُ نفسُهُ إذا أرادَ أن يُـقـرَّ لِمُفيدِهِ بالفضل!

الحياة دوائر، والأفضلية نِسبية. فقد تكون في دائرة ما مُقدَّماً، لكنَّ الظروف تَقـتضيكَ أن تَنسى هذا ولو مُؤقتاً لتحقيق مَصلحةٍ أو فائدة. وقد تكون مَطلوباً هنا، فتصبح طالباً هناك! وإذا كان مُجتمعُكَ غير معتاد على هذا، فهيَّا ابدأ من الآن.

كلُّ إنجازٍ فلا بُـدَّ له من جُهد البشر. فهذا مَن شُــقَّ البحرُ من أجله في سِياق التَّحدي، وإنقاذ الدعوة متمثلةً بالمجموعة الوحيدة التي تُمثِّـلُ التوحيد. ولكن بعد ذلك تَتحوَّل حركةُ هذا الذي التَقَمَت عصاهُ خِداعَ السَّحرة، ضِمن سُنَنِ الله الجارية لا سُنَنَهُ الخَارقة. لذلك أرجوكم، لا تستصحبوا فَـلْـقَ البحر وتـنسوا أنه عليه السلام حَفِـيـت قدماه وهو يبحث عن رجل واحد! وجلَّ جلاله لو أراد لحمل المطلوبَ إليه على جناح الريح كما حمل عرش بلقيس لسليمان عليه السلام! ولكن لكل مقام تصرف، والرجل حقُّ الرجل من يستطيع تنزيل الشواهد على مناسباتها المُتجددة.

إذا التحقتَ بعلاقة جديدة، فعليك الالتزام بقوانينها. وقد تكون أنت في كل علاقاتك السابقة مَن يضع القوانين، لكن في شراكتك الجديدة عليك الالتزام بشروط صاحبها، أو شروط طبيعة العلاقة الجديدة.

ليس شرطاً على طبيعة العلاقة الجديدة أن تُفسِّر كلَّ حركاتها لكل من التحقَ بها. ولا يُقال هنا: أين ذاتي؟ وأين حُريتي الفكرية؟ كل حقِّكَ هنا أن تقرأ ملف الشروط، فإن أعجبتك فامضِ، ثم امضِ في طريقك! وبمجرد أن توقع على الشروط، فتوقيعك يعني موافقتك على إجراءات من قَدَّمتَ لهم الوعد بالالتزام. هذه هي طبيعة الحياة، وهذه طبيعة الالتزام بالمجاميع البشرية. ويكذب من يقول غير ذلك؛ ففي أعلى سقوف الحرية التي مَرَّت على البشر لا يوجد إلزام بأخذ الموافقة على كل خطوة تقوم بها الإدارة.

لكن الشرط على صاحب الشرط أن يُبيِّن ابتداءً طبيعة حركته في الحياة، ونقاط المخاطرة في حركته. لذلك لا تُوقٍّع على بياض!

وبعد ذلك، وعندما تنتهي الشركة، أطلب تعليل الإجراءات التي مضت، وعليهم أن يبينوا.

مَن قال إن الفرص المُقدَّمة لا نهاية لها! ولا تقولن للعاقل إذا أخذ قرار الفصل بعد فترة معقولة: طَوَّل بالك، وعلى مهلك عليه. نحن هنا في سياق حياة لا بد أن تمشي، وعند نقطة معينة وعندما يستحيل الاستمرار لا بدَّ من الفصل. ليبحث كلٌّ عن طريقه المناسب له، وعن الشراكة الملائمة له. هناك صداقات تنتهي، وهناك مصانع تقف لاختلاف الشركاء. كله طبيعي، ولا يعني دائماً بالضرورة أن هناك قضايا، وإنما هي انسجامات فشلت في الاستمرار.

لا ينتهي عجبي منكَ! لماذا تَقـنَع بدور اليتيمين! ألا طمِعتَ بدور من فهم وأدرك وخطَّط وقدَّم مشروعه للبناء؟! بل، يا بني آدم، كُنْ صاحب موقف! كُنْ أحد العناصر الفاعلة في المشهد. كُنْ كأهل القرية الذين أبوا أن يُضيفوهما. كن قذراً، كن حقيراً! لكن كن صاحب موقف!