عند التعمق في جميع مجالات التاريخ ودراستها وتتبع شجرتها نجد أننا قد وصلنا لنفس الأصل والجذع لكل الفروع، فإن نفس الأشخاص ولنفس الأسباب يقومون بالتحكم والتغيير في مختلف فروع الحياة وجوانبها.
في عام 1776 قام أستاذ القانون الكنسي والفلسفة العملية آدم وايزهاوبت بتأسيس جمعية النورانيين في الفترة التي كانت تسمى بعصر التنوير حيث أن الفكرة كانت موجودة مسبقا، وتهدف الجمعية إلى إنشاء دولة عالمية واحدة عن طريق تدمير كافة الدول والأديان أين يكون الناس متحررين أشد التحرر منحلين من جميع الروابط الدينية والأخلاقية مع تعزيز الفكر الليبرالي والإلحادي اللاديني أو اللارباني، وكذلك الانتماء لكنيس الشيطان حيث أنهم يزعمون بأن الشيطان يزود أتباعه بأفكار ومبادئ محسوسة ومنطقية ولا يقدم لهم إلا ما يدعمهم ويبيح لهم كل ما يلبي قضاء حوائجهم دون تقييد، لتنفيذ هذه الفكرة كان لابد من العمل بحذر وعلى المدى الطويل.
ولأن المجتمع آنذاك لم يكن مستعدا لتقبل هذه الأفكار المتطرفة فكانت الجمعية تستهدف أصحاب السلطة وذوي النفوذ والسيطرة عليهم عن طريق تقديم الرشوة بمختلف أنواعها، وعندما يقع الفرد في شباكهم يتم استنزافه في العمل لمصلحتهم عن طريق الابتزاز السياسي أو التهديد بالانهيار المالي أو حتى بجعله ضحية لفضيحة كبرى والتهديد بالأذى الجسدي والموت له ولأقربائه، تم أيضا استهداف طلبة الجامعات من الطبقات المحترمة والمتميزين والمتفوقين عقليا عن طريق تجنيدهم وغرس روح الأممية العالمية فيهم (كان للجمعية عديد من الأتباع الذين يعملون كأساتذة في الجامعات مما سهل عليهم الوصول إلى الشباب واقتحام فكرهم حيث أنها أكثر فئة منتجة، وحتى مؤسس الجمعية آدم وايزهاوبت كان أستاذا بجامعة إنغلوشتات بولاية بافاريا التي تعتبر منشأ الجمعية). بالطبع وكما ذكرنا لم تظهر الجمعية لهؤلاء على هيئتها الحقيقية، بل كانت تدعو بإنشاء دولة واحدة تحكم العالم للتمكن من تعزيز روح السلام وتدعيم ركائز الحرية والديموقراطية.
وكانوا يقنعون الطلاب المتميزين بأن لهم الأحقية في حكم من هم أقل منهم ميزة حيث أن الفئات العادية من الناس لا تستطيع أن تدير شؤونها بنفسها وتعرف أين مصلحتها لذلك يجب على هؤلاء المتفوقين أن يقوموا على أمرهم.
تغلغلت أطراف الجمعية في الماسونية واقتحمت محافلها وما لبثت قليلا إلى أن أصبح قادات الماسونية ينتمون إلى النورانية ليتمكنوا من تجنيد أكبر قدر من الأعضاء باسم الماسونية ثم لا يدري العضو الجديد شيئا إلا بعد أن يتدرج في المراتب وتتم ترقيته، وقد يصل إلى مرتبة كبيرة ويصبح من الأفراد النورانيين وذلك على حسب مقاييس معينة من ضمنها تجنيد أكبر عدد ممكن من الأفراد الجدد، فيما بعد يتم استخدام هؤلاء الأعضاء الجدد من طلاب وأصحاب سلطة وذوي نفوذ كعملاء لهم ويتم إيصالهم إلى مناطق حساسة ومرموقة ليتمكنوا خلالها من إدارة الأوضاع كمستشارين لرؤساء الدول مثلا أو عمال في البنوك ورؤساء اقتصاد وممولين وما إلى ذلك، وأيضا السيطرة على الإعلام المتمثل في الصحافة آنذاك.
وبعد أن أسست الجمعية قاعدة لها وبسطت نفوذها السري وتخللت أغصانها وفروعها مختلف الدول والحكومات آن بعد ذلك أن تبدأ اللعبة.
كان أساس لعبتهم افتعال ثلاثة حروب عالمية يصل بعدها العالم إلى مرحلة الحضيض والفوضى والركود الاقتصادي وقتل مليارات البشر عن طريق الحروب والأمراض والفيروسات والأوبئة، والدعوة إلى تحرير المرأة وتفكيك جميع النوازع الأسرية والانحلال الخلقي والديني.
ليسهل بذلك ضياع الشباب ومستقبله ودعوته إلى التمرد والتشرد والانغماس في الملذات والأمور الحياتية لتقوى بذلك النوازع الإجرامية لديهم فتسود الجريمة والعنف وتمتلئ السجون ويصبح الشباب بلا مستقبل، وإفشاء البطالة بمختلف أنواعها وصورها، والمقرر أن يتراجع تعداد أمريكا السكاني بمقدار 100 مليون نسمة بحلول عام 2050 وقد أثبتت الدراسات ذلك وأنها في طريقها إليه هي وعديد من دول العالم الغربي.
وبعد هذه الفوضى يظهر المذهب النوراني كمُنقذ وفيه خلاص الأمم، فإنشاء الحروب بالنسبة لهم لم يكن بالأمر الصعب حيث اقتضى الأمر توليد مبدأ فكري أو ثقافي أو ديني والترويج له، وفي المقابل توليد مبدأ معادٍ له والترويج له وجعل الحرب تنشأ بين أتباع المذهبين، فمثلا عندما كان كارل ماركس يقوم بكتابة البيان الشيوعي تحت إشراف مجموعة من النورانيين كان كارل ريتر يقوم بإعداد النظرية المعادية للشيوعية تحت إشراف جماعة أخرى من النورانيين حيث يمكن استغلال المذهبين للتفريق بين الشعوب وجعلها موضع احتراب.
وكذلك مذهب النتيشيزم المأخوذ من فلسفة نيتشه والذي هو الأساس الذي تفرع منه المذهب النازي وأيضا المذهب الفاشي ومبدأ العداء للسامية وموضوعا البلشفية والمنشفية وكل هذه المذاهب التي كانت سائدة وما زال بعضها سائدا.
كان الهدف من الحرب العالمية الأولى هو إفساح المجال في روسيا لاندلاع الثورة الشيوعية وذلك عن طريق إطاحة قياصر الروس من الحكم، فمباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1917 اشتعلت نار الشيوعية الإلحادية في روسيا واستخدمت فيما بعد لتدمير الحكومات الأخرى وإضعاف الأديان، وتم التخطيط لهذه الحرب باستغلال الخلافات المعروفة بين الإمبراطورية البريطانية والألمانيةـ.
أما الحرب العالمية الثانية فقد تم التخطيط لها والتمهيد لها باستغلال الخلافات بين الفاشيين والحركة الصهيونية السياسية وكان المقدر أن تنتهي الحرب بانهزام النازية وإقامة وطن لليهود بفلسطين، ثم تقوى الحركة الشيوعية لتصبح بذلك مساوية لمجموع قوى العالم المسيحي تمهيدا للتالي.
وأما الحرب العالمية الثالثة فالمخطط لها أن تنشب بين الحركة الصهيونية السياسية وبين قادة العالم الإسلامي -ومن هنا كان يجب على جميع قادة العالم الإسلامي وشعوبهم معرفة هذه التفاصيل لإعداد العدة والتصدي لها ويمكن أيضا استغلال الوهن الجسدي والبنائي والفكري لباقي العالم لصالحهم وبث روح الإسلام وتعاليمه الأصلية لتجد فيه الشعوب ملجأ ومنجا وراحة بال لهم قبل التسليم بالهلاك- بأن توجه هذه الحروب وتدار حيث يقوم الإسلام والصهيونية بتدمير بعضهم البعض، بأن ينقسم الإسلام أولا إلى طوائف متعددة ومتطرفة تقتتل فيما بينها فتضعف الروح المعنوية والإسلامية لدى المسلمين وتصبح الأمة الإسلامية نداً لا يعترف به في الحرب وتصبح هزيمتها أسهل ما يكون، وفي ما يلي كلمات مكتوبة لآلبرت بايك تلميذ جيوسبي مازيني قائد جميع هذه التحركات في الفترة من 1834 إلى 1672 مأخوذة من رسالة له محفوظة في المتحف البريطاني بلندن وهي:
"سوف نطلق العنان للحركات الإلحادية والحركات العدمية الهدامة، وسوف نعمل لإحداث كارثة إنسانية عامة تبين بشاعتها اللامتناهية لكل الأمم نتائج الإلحاد المطلق، وسيرون فيه منبع الوحشية ومصدر الهزة الدموية الكبرى... وستجد الجماهير المسيحية آنذاك أن فكرتها اللاهوتية قد أصبحت تائهة غير ذات معنى وستكون هذه الجماهير متعطشة إلى مثال تتوجه إليه بالعبادة... عندئذ يأتيها النور الحقيقي من عقيدة الشيطان الصافية، التي ستصبح ظاهرة عالمية والتي ستأتي نتيجة لرد الفعل العام لدى الجماهير بعد تدمير المسيحي والإلحاد معاً في وقت واحد".
وردت هذه الرسالة بعدة نصوص مختلفة وبنفس المعنى ويُعزى ذلك غالبا لاختلاف التراجم.
وتوالى الخلفاء بعد مازيني مثل لينين وتروتسكي متخذين نفس الأهداف سالكين نفس المسلك. وجميع هذه النشاطات والحركات يتم تمويلها من قِبَل أصحاب البنوك العالمية المتمثلين في عائلة روتشيلد وأعوانهم حيث نشأت العائلة وقويت سطوتها كذلك في ألمانيا مثلها مثل جمعية النورانيين.
وبعد أن اكتشفت الحكومة البافارية أمر الجمعية وأصدرت قرار توقيفها -بالرغم من عدم توقفها- انتقل مقر القيادة إلى سويسرا حيث اتفق على أن تكون دولة محايدة بعيدة تماما لا تصلها يد الحروب ليحفظ فيها المصرفيون أموالهم ليتمكنوا من إدارة العالم عن بعد وفي مأمن تام، إلى حين أن تم الانتقال مرة أخرى إلى نيويورك وحل آل روكفلر محل آل روتشيلد في التمويل وإن كانوا لم يحلوا محلهم فهم حلفاء منذ البداية، وهكذا وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف بدأت هذه الجماعات وما وصلت إليه من نفوذ بقول كلمتها.