كنتَ لله، وكنتَ إليه راجعاً، فنِعمَ الرجوعُ، ونعم المرجعُ والرُّجْعَى، فما قامت الحياةُ لأحد إلا بالتجرُّد منها والاستغناء عنها، والعودةِ بالتخلّي في مضاءٍ واستقامةٍ وقوّة إلى أصل الحياة ومنبع الخلود .
 

أخذتَ يا يحيى الكتاب بقوّة، وألهمك ربُّك الثبات عليه والشدّة فيه، واحتسبتَ في ذلك، حتّى أديتَ الأمانةَ الثقيلة، ووفيت بذمّتك، وكنتَ من الشاكرين.

وظنّي أنّك أقسمتَ على الله أن تكون خاتمتك على صورة في البأس تحبّ أن تلقى ربّك عليها، وتكون من الشاهدين، فأثابك الله ذلك، وبلّغك ما أردتَ، ورفع لك ذكرك في الأقوياء.
لقد أريتَنا دار الفاسقين المعتدين، وكشفتَ لنا حقّاً أن حبلهم منقطع غير ممدود، ونشرَ الله بأخذكَ القويّ ألواحَ الوصيّة منك: (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)، فإمّا أن نهتدي أو نكون من الجاهلين.

وأظن أنّ سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه لو رآك لأحبّك وقال فيك: (ويل أمّه! مسعر حرب، لو كان له رجال)، وقد كانوا.


وإنني لأحسب أنّك لو كنتَ عند سيدي رسول الله لبكَى عليك، وقنَت لك شهراً، ولعن رِعلاً وذَكوان وعصيّة ولَحْيان من كل قومٍ يزعمون أنّهم منّا، ثمّ أعدّ فيك جيشاً لا تكفّ خيله عن الركوب حتى تظفَر.
ولو كان بعضنا ذا أمرٍ لجعل لك أثراً باقياً في أمرٍ جليل يكون ذكرى لهم ولنا، فيسمّي باسمك جحفلَه، ويعلن عن ميلاد قوّة يحيويّة خاصّة أو مظهر شديد يذكّر بأخذه القويّ وطوفانه العَتيّ وعنوانه الصَّلِيّ.