قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] قال عمر: «قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة» صحيح البخاري، رقم الحديث 45.

ولنتأمل قوله تعالى: "ورضيت لكم"، لم تأت صيغة الرضا متصلة بتاء المتكلم إلا في هذا الموضع. والمتكلم الراضي هنا الكريم جل جلاله. والمرضي عنه دينه الذي ارتضاه لعباده، الإسلام. 

فلئن كانت ليلة القدر ليلة الاحتفاء بنزول القرآن، فهذا يوم عرفة يوم الاحتفاء بالإسلام. إنه يوم الرضا. 

وقارن بين رضوان الله على أهل الجنة حين يستقر بهم المقام في جناتهم، ويرضون عن عطاء ربهم، ثم يخاطبهم الملك فيقول: "أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا " صحيح البخاري، رقم الحديث 6549، وبين نزول آية الرضا والتي فيها التصريح بإكمال الدين وإتمامه. ففي الرضوانين تمام النعمة وكمالها الذي لا نقص بعده. فلنتصور فرح أهل الجنان بذلك الرضوان، وعلى قدره يجب أن يكون الفرح برضا الرحمن على دين الإسلام.

معاشر المسلمين نحن على دين مرضي كامل تام كمالا مطلقا، فماذا ينقصه لنطلبه من غيره؟ وماذا في غيره حتى نستغني به عنه؟

الله أكبر الله أكبر، هذا يوم الرضا يأتي كل سنة ليذكرنا بعظيم نعمة الله علينا، نعمة الإسلام. إنه يوم الإعلان عن هويتنا لكل العالم، وأن لنا منهج حياة رباني المصدر، رضيه لنا ربنا فلا يضرنا سخط غيره. 

ولما كان يوم عرفة يوم الرضا، ناسب أن يحثنا نبينا صلى الله عليه وسلم أمته على الدعاء فيه بل والإكثار من الدعاء فيه أكثر من غيره، فإن الكريم إذا رضي أجزل العطاء وأبهر، قال صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة". وقد رأى سالم بن عبد الله بن عمر سائلا يسأل يوم عرفة فقال: "يا عاجز في هذا اليوم تسأل غير الله". الله أكبر الله أكبر.

إنه يوم الرضا فكيف لا يكثر فيه عتق رقاب العباد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة" رواه النسائي وصححه الألباني. الله أكبر الله أكبر.

إنه يوم الرضا، فيه دنو الحنو من الرب سبحانه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وإنه ليدنو عز وجل، ثم يباهي بهم الملائكة". الله أكبر الله أكبر.

أهل الإسلام، هذا يوم كثر فيه خير الله وطاب، كما قال عمر بن الخطاب عليه رضوان الله. هلموا لخير الله، أقبلوا على الله، أروا الله من أنفسكم كل ما في وسعكم، والسعيد من عرف شرف الزمان وله صان، وانشغل بعمارته بذكر ودعاء وقرآن. هو يوم لا ككل الأيام، فلتكن فيه الأعمال لا ككل أعمال العام.