ظاهرة التدين الجديد وأثره في نشر ثقافة التغريب
الكاتب: أنور قاسم الخُضري.
التصنيف: فكري
دار النشر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث.
عام النشر: 2008.
عدد الصفحات: 98.
دينٌ موازٍ.. مفاهيم وقيم وشرائع خاصّة.
يرى الدكتور أنور قاسم أنَّهُ في ظِل إقبال الجماهير الغفيرة على التديُّن رغبة في الوصول إلى الرؤية الصحيحة للدين، ونتيجة لغياب التوجيه الصحيح والخطاب الديني الموّحد، فإن تلكَ الجماهير تصنع لنفسها "تديُّنًا جديدًا" حيثُ تقوم بالإختيار والإنتقاء من الخطابات الدينية المعروضة على الساحة وفق رغباتها واحتياجاتها هيّ، لا وفق توجيهات الدين ذاته!
فنجد في هذا التديُّن الجديد ملامحا غير مُتجانسة وعناصر غير مترابطة؛ وهذا بدوره قد يُشكِّل وعيًا جمْعيًّا ضاغطًا.
ويرى قاسم أنَّ أخطر ما في هذا التديُّن الجديد والدُعاة الجُدد، أنَّهم غير موجّهين حيثُ يُربَّى فيهِ الصغير ويهرم فيهِ الكبير، ويُصبح دينًا موازيًا للدين له مفاهيمه وقيمه وسُننه وشرائعه الخاصة! وإذا أرادَ العالِم أن يُنكر عليهم فعلهم اتهموه بالتشدد وغير ذلك من التهم، مع تأكيدهم أنَّ ما يدعون إليه هو الدين!
أضيف على ما ساقهُ أ.أنور قاسم؛ أن هؤلاء الدُعاة الجُدد صار لهم ألتراس - أتباع - يُدافعون عنهم في الصواب والخطأ. فقد يقدّم أولئك "الدعاة الجُدد" تفسيرات لآي القرآن منافية تمامًا لسياق الآيات، من ذلك استدلالهم على من يُنكر عليهم أمرًا ما بالشدّة والحزم بقولهِ تعالى: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"، بينما معنى الحكمة وضعُ الشيء في موضعه، فاللين وقت اللين والغلظة والشدّة وقت الشدّة، أي لكُلِّ مقامٍ مقال، بل ويتجالهون تكملة الآية، حيثُ الوسيلة التي يجب على المسلم أن يدعو بها إلى الله وأن يُنكر بها على غيره فعل أو قول ما، حيث يقول تعالى: " وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".
فالآية واضحة وصريحة في أن لكلِّ مقامٍ مقال، فاستخدام اللين في الوقت الذي يجب فيهِ إستخدام الحزم والشدّة ضياع للدين!
وغير ذلك من الآيات كاستدلالهم على المُرتد بقولهِ تعالى: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"؛ وقوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، فهذه الآيات المقصود بها الكافر الصِرف الذي لم يدخل الإسلام يومًا؛ ولا يُعنَى بها المرتد البتّة!
عودة لما قاله أنور قاسم، فإنَّ غياب معرفة شرعية مؤصلة وتربية إيمانية حية، وغياب صفات شخصية تتميّز بالرؤية النقدية الصائبة والقدرة على التمييز والإختيار مع الحفاظ على الهوية المستقلة، قد يُعرّض الشخصية إلى الذوبان والسَحق، خصوصا مع هذا الانفتاح المهول والضاغط!
جزء من هذا التديُّن الجديد يكمُن في هذه البيئة المحيطة، التي تخلق جو الصراع الثقافي والديني الذي يسود أي مجتمع، والتشدَّد والجفاء، والظاهرية والباطنية، والتوفيق مع المذاهب الأخرى، والإنغلاق على الخصوصيات والجماهيرية والنخبوية والإجتهاد والتقليد؛ وكلَّما اشتدَّ الصراع في بيئة ما كلَّما خُلِقت بيئة من التناقضات والتحزّب والعصبيات؛ ولذلك كان توجيه الإسلام للمسلمين للوسطية فلا إفراط ولا تفريط.
التديِّن الجديد.. دعاةٌ ومتدينون على منهج التّرخُص والتيسير.
يرى الكاتب أنّ ظاهرة التديُّن الجديدة تنقسم إلى قسمين:
1- الدُعاة الجُدد.
هؤلاء ليس دافعهم تغيير كامل في المُجتمع والعودة بالمجتمع لروح الإسلام؛ بل هدفهم مجرد الدعوة لزيارة ملجأ أو مشاركة في دعم أو إنشاء مستشفى، وغير ذلك من الأعمال الخيرة!
وتجد دافعهم الإسلام، ولكن التعاطي ونمط المعيشة والتصوّرات تتم وفق نمط الحياة الغربية بصورة طاغية وظاهرة لافتة.
وأعطى أنور قاسم أمثلة على هؤلاء الدُعاة الجُدد:كعمرو خالد، وعليّ الجفري،.. ونستطيع أن نضيف للقائمةِ أعدادا أخرى ملأت الفضائيات وانترنت ومواقع التواصل على نفس المنهجية!
ومنهج الدعاة الجُدد قائم على:
اجتهاد العُلماء المُيسّر + اجتهاد شبابي واثق بلا حدود ودون ثقافة شرعية = حالات تساهل وترخُّص!
أمّا نجاح هذا التيار من الدُعاة الجُدد سببه في أنّهُ يقدّم للشباب وجبة شهية من "الدين اللذيذ"، دون " التكليف المُرّ "، فلا يُحمّل هؤلاء الدُعاة مُريديهم أعباء وهمّ هذا الدين، حيث يتم عرض دين " لا شوكة فيه "!
كما نجد من سمات هؤلاء الدُعاة الجدد أنهم لا يتناولون الإسلام بمفهومهِ الشامل، كما لا نجدهم يتطرّقون للسياسة خشية السلطات.
وهذه السمة يقول أنور قاسم أننا نجد مثلها عند بعض فرق المتصوفة؛ فهم يتقرَّبون إلى الله ويُقيمون الليل ويصومون ويتعبَّدون؛ أمّا المشكلات السياسية ومُعايشة مُشكلات الناس فلا علاقة لهم بها!
كما نجد عند هؤلاء تحوُّل من " الحاكمية للإسلام " إلى التديُّن الفردي الشخصي؛ فيتم تحويل الإسلام من كونه مشروع ورؤية حياتية، إلى جعلهِ مُقتصرًا على الخلاص الشخصي الذاتي!
فهم لا يتدخّلون في المشاكل الحياتية للأمة ومعايشتها ومحاولة وضع الحلول لها؛ بل يتجنَّبون إهدار وقتهم في ذلك ولا يتعرضون لها!
وتعرَّض أنور قاسم لرؤية باتريك هايني - صاحب كتاب إسلام السوق، حيثُ تمَّ سؤال هايني عن إمكانية تحوُّل هؤلاء الدُعاة الجدد ودخولهم مُعترك السياسة؟؛ فيجيب هايني:
أنَّ سرّ نجاح ظاهرة الدُعاة الجُدد كامن في ابتعادهم عن السياسة، وهُم بذلك يتميَّزون عن جماعات الإسلام السياسي الآخذه في الأفول؛ كما أنَّهُ تديُّن مُتعَولَم موجّه في الأساس للطبقات العليا والطبقات الصاعدة التي لا مصلحة لها في اي تغيير سياسي ولا تملك تصورًا أو رغبة فيه.
كما يقول أنور قاسم أنَّ سبب عزوف هؤلاء الدُعاة الجُدد عن السياسة سببهُ الضغط العلماني والضغط الغربي من عدم إقحام الدين في السياسة!
2- المُتديِّنون الجُدد.
وهؤلاء ثقافتهم الدينية عن طريق الفضائيات ومواقع الإنترنت، وإهتماماتهم نجدها متناقضة بين ما هو إسلامي وما هو مناقض للإسلام.
كما نجد عِند هذا الجيل إشكالية في التعايش مع المفهوم العلماني للدين؛ وذلك ناتج عن مفهوم الإرجاء الشائع في أوساطه.
وهؤلاء المُتدينين الجُدد نتاج فُقهاء الرُّخص والتيسير والتسامح غير المُبرَّرِ دينيًا؛ فلا غرابة من سلوكياتهم المتناقضة الظاهرة!
ومن الملاحظ في المتديِّنين الجُدد؛ القص واللصق من الفتاوى والاجتهادات، والتي تجري على أشدها لإكساب الكثير من المشروعية لكثير من الأفعال التي دَرَجَ الشباب عليها؛ فبدلًا من التنازل عن عادات ما قبل التديُّن، إذا بهِ يُحاول أن يجد لها مُبرِّرًا شرعيًا مُحترمًا!
كما أنَّ هناك سمات مشتركة في المتديِّنين الجُدد رغم إختلاف البُلدان والدُعاة الجُدد في كل بلد؛ من تلكَ السمات:
1- تقسيم العلماء والفقهاء إلى مُتشددين ومُتسامحين؛ والأخذ عن الصنف الثاني لتسامحهم فقط بغض النظر عن موافقته للدين أم لا؛ والسعي وراء الرُّخص بغض النظر عن الموضوعية والعلمية في إنتقاء الأقوال !
2- تقسيم الدين إلى قشور ولُب الدين؛ فيجعلون من المظاهر والأزياء مجرد قشور!
3- نشر ثقافة التسامح مع الكفّار فضلًا عن أهل البدعة؛ وهو تسامح يتجاوز أمور العقيدة والثوابت الشرعية التي لا خلاف عليها.
4- الإهتمام بجانب حسن السلوك مع الآخرين، وبعض أعمال القلوب التي لا تكاد تخلو منه قلوب العامة على فطرتها.
وفي الأخير هو كتاب رائع؛ وجيّد في بابهِ؛ وهذا بعض يسير ممّا جاء بين دفتيهِ، مع تصريف وإضافات.
اقتباسات من الكتاب
«التاريخ يُعيد دورته بتغيير الشخوص لا الأدوار!»
«هذا التديُّن الجديد يُعبر عنه بعاطفة إسلامية، مع وجود سلوكيات تتماشى مع انحرافات المجتمع وتُصبغ بصبغة دينية!»
«من أسباب ظهور التديُّن الجديد الحرب الإعلامية التي تمارس ضد التديُّن الأصيل.»
«دعم الغرب للتديُّن الجديد للإنحراف بالخطاب والتوجه الديني الذي يُكرّس النديّة بين العالمين الإسلامي والغربي.»
«إنَّ الجماهير ميّالة إلى تديُّن غير باهظ التكاليف، وما توجيه موسى - عليه السلام - للنبي محمد - عليه الصلاة والسلام - في قصّة الإسراء والمعراج ليطاب ربّه بالتخفيف في شأن الصلاة إلّا دليل على ذلك؛ بالإضافة لخوف الجماهير على مصالحها والمُتع الدنيوية والميل للترف والشهوات.»
«ظاهرة الدُعاة الجُدد ما هي إلّا تلبية لمطالب الجماهير؛ كي لا تشعُر بالذنب، ومحاولة التغيير! أي هي دعوة لتفصيل الدين على مقياس معيّن؛ لا تفصيل نفسها على مقياس الدين!»