من أكثر الكلمات استعمالا في العصر الحديث كلمة الحرية، وهي أيضا من أكثر الكلمات الفارغة من المعنى وأكثرها سوء استعمال، وهذا السوء لا يأتي من المفهوم نفسه ولكن من عدم تحديد ماذا نعني بكلمة حرية، فإنه يوجد عدد من المعاني لهذه الكلمة بعدد الناس الذين يستعملونها ويمكن أن يوجد بعدد الحالات التي تستعمل بها. 

فقد رأى قوم أن الحرية بأن لا يقف أحد بينهم وبين شهواتهم، ورأى قوم أخرون بأن الحرية أن لا يحكم فيهم بغير قوانينهم، ورأى أخرون الحرية بأن لا يحكم فيهم أحد ليس منهم، ورأى قوم أن الحرية هي نوع من توزيع السلطات الثلاثة التنفيذية والقضائية وتشريعية، وقد رأى الروس قديما أن قيصر قد استعبدهم بإجبارهم بحلق لحاهم، وهكذا اختلفت معاني الحرية بإختلاف المتكلم شعوبا وأفرادا.

لكن في القرن السادس عشر وفي إنجلترا بالتحديد، ظهرت مدرسة فكرية اتخذت من الحرية شعارا لها ولا زال نفوذ هذه المدرسة في الاتساع، حتى أنه اليوم تعد أكثر حكومات العالم خاضعة لهذه المدرسة سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو الإجتماعي، هذه المدرسة هي المعروفة باسم الليبرالية، وفي الحقيقة عند التحقيق ما الليبرالية وجدت هي أن لا أخلاقية، وعند التحقيق ما هي حريتها وجدت هي الإباحية.

يعد صاحب اللفيثان هو الممهد لهذه المدرسة وهو الذي وضع تعريفا للحرية سيتم تطويره فيما بعد على يد جون ستيوارت ميل، فقد اعتبر أن الحرية تكمن في تنفيذ الإنسان لرغباته دون أن يعيقه عائق.

فإن الحرية عند هذا الرجل يجوز أن نستنتج من خلالها استخدام عبارة إرادة حرة و حرية الإرادة في الرغبة أو في الميل، بل حرية الفرد كامنة في عدم مصادفة العوائق أمام تحقيق ما يريد أو ما يرغب أو يميل إلى القيام به.

وقام بتوسيع هذه النظرية فيلسوف آخر من رواد هذه المدرسة يدعى جون ستيوارت ميل في كتابه عن الحرية، حيث اعتبر أنه لا يجوز للمجتمع أو للمؤسسات الدولة التدخل في شؤون الأفراد مطلقا أدبيا أو ماديا، باستثناء حالة واحدة وهي الإضرار بالغير وهذا الكلام يصدق على كل الراشدين سواء رجالا ونساءا بإستثناء الأطفال، يقول الغاية الوحيدة التي تبيح للناس التعرض على الانفراد أو الاجتماع لحرية الفرد هي حماية أنفسهم منه، فمنع الفرد من الإضرار بغيره هو الغاية الوحيدة التي تسوغ استعمال السلطة على أي عضو من أعضاء جماعة متمدينة، أما إذا كانت الغاية المنشودة من إرغام الفرد هي مصلحته الذاتية أدبية كانت أو مادية فذلك لا يعتبر مسوغا كافيا.

جميل فلنقوم بإختبار هذا المفهوم عن الحرية يعتبر الإنسان حرا من وجهة نظر الليبرالية عندما لا يجد عوائق تحول بينه وبين رغباته ويعتبر حرا عندما يفعل ما يريد شريطة أن لا يضر غيره، بهذا المعنى يكون مدمن الهيروين حرا ورجلا فاضلا، لأنه يجد نفسه مدفوعا بالرغبة في تعاطي المخدر فيستجيب لهذه الرغبة، وهو طبعا لا يضر بغيره قد يكون هناك ضرر عليه.

 لكن الليبرالية ترى أنه هذا ليس مبررا للتدخل وعلى هذا تكون وزارة الداخلية ليست هيئة فاضلة، وقد اعتدت عليه لأنها وضعت عوائق بينه وبين إشباع رغبته في المخدر. 

وأيضًا تكون العاهرة إمرأة فاضلة حرة لأنها بعرض جسدها للبيع في الشوارع والطرقات لم تضر بغيرها، بل على العكس قد أعطتهم شيء ممتع هم على أتم الإستعداد لدفع مقابله وتكون الهيئة أو المجتمع الذي يمنع هذا ليس بالمجتمع الفاضل ولا بالهيئة الخيرة، فإذا نحن اتبعنا مفهوم الليبرالية للحرية نكون قد جعلنا  الحق والفضيلة تمشي على رأسها. 

وماذا عن المنتحر؟ هل هو رجل حر وفاضل؟ أليس كذلك فهو الآخر بشنقه نفسه لا يضر بأحد غيره، فإذا قال أحد أنه سيشنق نفسه غدا في السابعة مساءا فلا يعتقله أحد وعلى أهله أن لا يوثقوه فإذا فعلوا هذا كانوا غير فضلاء وقد اعتدوا على حريته الشخصية، ويجب على  الدولة ايداعهم السجن في الحقيقة من يقول مثل هذا لا يشك عاقل أنه أضل من حمار أهله. 

كل هذه الرذائل بحسب مفهوم الليبرالية للحرية تصبح فضيلة، لكن هناك ما هو أكثر قبحا وأكثر مسخا وأكثر قذرة وأكثر بهيمية وأكثر وثنية وأكثر وساخة وهو حسب هذا المفهوم الليبرالي للحرية من الممكن أن يتحول زنا المحارم إلى فضيلة، فإذا زنا الابن بأمه أو الأب بابنته أو الأخ بأخته أو الحفيد بجدته أو الجد بحفيدته فكل ما يجب توفره من شروط لتصبح هذه القذرة فضيلة من وجهة نظر الليبرالية هي موافقة كلا طرفين وأن يكون كلاهما بالغا راشدا ألا لعنة الله على الظالمين.

وإذا تكلم رجل ما أو هيئة ما أو مجتمع ما فقال اللهم أن هذا منكرٌ لا نرضى به كان رجلا أو مجتمعا ليس بالفضيل، لأنه يمارس إكراها أدبيا على أشخاص يمارسون الفضيلة الليبرالية والتي هي الحرية وكان الزنادقة الذين يمارسون زنا المحارم أناس فضلاء ضحايا للتعصب والطغيان أرأيت مسخا للمنطق مثل هذا، أسمعت بجريمة منكرة كهذه. 

بعد هذا نسأل الليبرالي لماذا قمت بإستثناء الأطفال وغير الراشدين من ممارسة حريتك وقلت يجب التدخل في شؤونهم، ما المبدأ الذي يقف وراء هذا الإختيار، ولا يتصور أن يكون هذا المبدأ غير أنهم قاصرين عن معرفة الحق وما فيه صلاح لهم وهذا يعرف بالأضرار التي يلحقونها بأنفسهم فنقول وهل مدمن المخدرات والمنتحر والتي تبيع جسدها مقابل المال يعرفون مصالحهم كيف يكون من يسقي جسمه سما قاتلا يعلم مصلحته أليس هؤلاء بمنزلة ذاك؟

لكن فلنسلم لهم بأن هذا المفهوم الوسخ للحرية يمكن أن يقال عنه كذلك، لكن عندما تتعامل الدول الليبرالية مع المسلمين فهل هي تلتزم بهذا المفهوم، أي أن للإنسان أن يفعل ما يشاء ويعتبر رجلا فاضلا شريطة أن لا يضر بغيره، وأن من يحول بينه وبين ما يريد، يعتبر شرير ومتخلف وعدو للحرية.