علمتني الحياة أن الحرية أداة للنهوض الحضاري، ولا نهوض بلا حرية حقيقية، ولكنها حرية مسؤولة لا تنفصل عن الأخلاق، بل تنضبط بها.

الاستبداد يقتل الإبداع

عندما أراقب الغرب وأقرأ عن إبداعاتهم، وبراءات الاختراع التي يحصلون عليها سنوياً، يقفز إلى ذهني سؤال مفاده: لماذا الإبداع في الغرب واسع الانتشار، ونامٍ ومفعّل، بينما هو عكس ذلك في بلادنا، قليل مهمّش، ولا يكاد يذكر؟

بعيداً عن الأسباب المتعلقة بالمكان والمُكْنة والإمكانات، أعتقد أن السبب الرئيس في غياب الإبداع هو غياب الحرية، فبغيابها ينعدم الإبداع، ويشحّ العطاء، وينزوي الابتكار، وتهاجر العقول.

الحرية الشاملة

عندما أتحدث عن الحرية فقطعاً لا أتكلم عن الحرية السياسية فقط، وإنما مرادي ما هو أوسع من ذلك وأشمل. فالحرية في بيئة العمل مطلوبة، فالرئيس المستبد، والمدير "الدكتاتور" يشكلان عائقاً أمام إبداع الموظفين والعاملين.

وكذلك الحرية في البيت والأسرة مطلوبة، فأي إبداع سيخرج من الأبناء والبنات إن كان الوالدان مستبدين، يلغيان بأفعالهما شخصيات أبنائهم.

والحرية كذلك مطلوبة في المدرسة وبيئة التعليم، ولن يبدع الطفل في المدرسة طالما لم يُمنح الحرية في التجريب وارتكاب الأخطاء.

الدكتاتورية الدعوية

أيضاً الحرية مطلوبة في بيئة العمل الدعوي والتربوي، فأي إبداع سيرى النور، إذا سيطرت بعض الشخصيات على القرار الدعوي، وتحولوا إلى "حرس قديم" أو "محاربين قدامى" يدافعون عن قناعاتهم التاريخية، ويرفضون التجديد، ويحّذرون من التخطيط الحديث، ويقدّسون الخطط الدعوية والتربوية القديمة، وكأن لسان حالهم يقول:)مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر/29.

فالمدير أو المعلم أو القائد أو الرئيس الذي لا يسمح لمن حوله بالتفكير الإبداعي، يعتبر من قاتلي الإبداع.

ولطالما – وللأسف – قام بعض الدعاة وشيوخ الدين بدور سلبي في هذا المجال، فحجروا على العقول باسم الدين، وأرهبوا الناس من تجاوز خطوط حمراء صبغوها بأنفسهم بضوابط شرعية لا أساس لها من الصحة، وإنما هي عادات أو موروثات اجتماعية تعارفوا عليها، ومن ثم جعلوها شرعاً ومنهاجاً، وبرأيي لا تنمو الحرية والإبداع وتتفتح الأبواب أمام الشباب بوجود هذه الحواجز، فيجب علينا أن نعرض ما ليس له أصل من الشرع على عقولنا مجدداً، فننبذ ما تم استحداثه، ونبقي ما تم اعتماده وفق الشريعة والأصول الصحيحة المعتمدة.

الحرية لا تُمنح

من المبادئ التي أؤمِنُ بها أن الحرية تُكسب ولا تُمنح، وتُؤخذ ولا تُعطى، وواهم من يظنّ أن غيره سيتطوع ويمنحه الحرية، سواء أكانت حكومة أم حزباً، وإذا لم تضغط الشعوب على حكوماتها، والأعضاء في الأحزاب على قيادتهم فلن ينالوا المزيد من الحريات.

والذي سيتصدى للمطالبة بالحرية ويتقدم الصفوف قطعاً هم القادة، والقادة فقط، لأنه الدور المنوط بهم.. وهم الأقدر على ذلك والأكفأ، وهؤلاء هو أبطال التغيير ورواده.