يرى المُسلم والعربيّ -دائمًا- أنه وبرغم جلاء المستعمر الأجنبي عن بلاده، إلا أن هذا الجلاء كان جلاءً عسكريًا لا معنويًا، حيثُ يشعُر في قرارة نفسهِ أنَّ روح المستعمر حاضرة تطوف بلاده شرقًا وغربًا!

فجلاء المستعمر لم يكن جلاءً كاملًا حقيقيًا، بل تركَ لنا من ينوب عنه في إخضاع الشعوب والسيطرة عليها، والمحافظة على تبعيتها للغرب، ووضع حاجز بينها وبين هويتها الإسلامية، وتقويض نهضتها عن طريق عدم السماح للإنسان فيها بأن يحظى بلحظة تأمّل أو إبداع في أي مجال من مجالات الحياة، وذلك من خلال جعل شُغلِهِ الشاغل -ليل نهار- البحث عن المأكل والمشرب والحصول على سكن، وهذا الدور خولهُ المستعمر إلى الدولة الوظيفية التي حلَّت محلّها.

فأصبحت الدولة الوظيفية تقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به المندوب السامي الفرنسي أو الإنجليزي في مرحلة الإستعمار!

كما أن سقوط وزوال الدولة الوظيفية يكون من خلال حالتين:

1- السقوط الذاتي الناتج عن سقوط المتبوع

 حيث أن الدولة الوظيفية تُعد دولة تابعة لدولة أخرى، وفي مقابل تلك التابعية تقوم الدولة المتبوعة بدعم الدولة التابعة عن طريق توفير الحماية والدعم السياسي والعسكري والمالي لها؛ ومثال على ذلك الدول الشيوعية التي سقطت وانهارت بإنهيار الإتحاد السوفييتي، حيث كان الاتحاد السوفييتي يوفر لها الدعم والحماية، فحينما انهار الاتحاد السوفييتي، انهارت تلك الدول الشيوعية -الوظيفية- التابعة لها.

2- السقوط الناتج عن الثورات الشعبية

حيث يخرج الشعب لتغيير النظام الحاكم، ويستبدله بنظام يحفظ سيادة واستقلال الدولة بشكل كامل، ويرعى مصالح الشعب ويعمل على تنميته، ويدفع في اتجاه نهضته، ويُعيد له هويته.

وفي تلك الحالة الثانية تواجه الدولة آثار الانسحاب من التابعية ودورها الوظيفي، حيث تكيد وتعمل الدول التي كانت متبوعة على عودة الدولة الوظيفية من جديد عن طريق التدبير للإنقلابات العسكرية، أو وصف تلك الدولة بالدولة مارقة، وتوقيع العقوبات الإقتصادية عليها، وعزلها دوليًا، وفي الأخير قد يحدث تدخل عسكري مباشر مؤقت لعودة الدولة الوظيفية.

وإنّ نتائج وجود الدولة الوظيفية ظهور ما نسميه "الإنسان الوظيفي"، وهو ليس ذلك الإنسان الذي يتم تعريفه في إطار وظائفه البيولوجية أو الغريزية المادية؛ بل يتم تعريفه في إطار (ما يوكل إليه من وظائف أو أدوار اجتماعية)، حيث يقوم ذلك الإنسان بتكريس حياته لأداء وظيفته، وتصبح حدودها هي حدوده، وفضاؤها فضاءه؛ كما يستمد معياريته من وظيفته، ويُذعن لقانونها.

وبالتالي وكما رأى -الدكتور عبد الوهاب المسيري- أننا سنرى تُجّار ليس لهم علاقة بنجمة داوود يريدون أن يُتاجروا فقط، بل وأكثر من ذلك سنرى يهود ليسوا بيهود في الأساس، بل مسلمين يقيمون الصلاة، ولكن يلعبون دور اليهودي!

وتلك مشكلة كُبرى لأن هذا الإنسان الوظيفي سيقوم بالوظيفة التي كان يقوم بها اليهودي الحقيقي في الماضي! ولهذا يجب علينا أن نُحلل الإنسان في ضوء دوره الوظيفي الذي يقوم به؛ وليس وفق إدعاءاته هو عن نفسه.

فإذا قمنا بتحليل الأشخاص سنجد الإنسان العربي الصهيوني والإنسان العربي العلماني، والإنسان العربي التغريبي، كل منهم يؤدي دوره الوظيفي الذي أُعدَّ له!

فنجد ذلك العربي -أو المسلم- الوظيفي يقوم بنفس الدور الذي كان يقوم به في السابق الجنرال الصهيوني، حيث يدعوا الناس إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني والسلام معهم، ويُضفي مشروعية على احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية!

وكذلك نجد الإنسان العلماني ودعاة المدنية الغربية يطعنون في التراث العربي والإسلامي، مؤديين دورهم الوظيفي، الذي لم تستطع أن تقوم به الإمبريالية.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين وصف أٌناس هم دُعاة على أبواب جهنم، فقال: ( هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا ).