حدثنا التاريخ وهو يصف حال المدينة المنورة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان تصرف أبي بكر (الخليفة المختار) رضي الله عنه، وكيف كان رد فعل الصحابة، وكيف كان العالم يتشكل في تلك اللحظة، فتقول عائشة رضي الله عنها:"تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ بِأَبِي بَكْرٍ مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ لَهَاضَهَا، اشْرَأَبَّ النِّفَاقُ بِالْمَدِينَةِ، وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَو َاللَّهِ مَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إِلَّا طَارَ أَبِي بِحَظِّهَا وَفَنَائِهَا فِي الْإِسْلَامِ ".
يخبرنا نص السيدة الصديقة رضي الله عنها، عن:

  • أن المنافقين يظهرون في وقت الأزمات، وتشرئب أعناقهم للنيل من هذا الدين وحملته، لأنهم يعتبرون الأمر فرصة سانحة للنيل منه وإخراج ضغائن قلوبهم!
  • أن الله تعالى يقيض لهذا الدين من يحميه ويدافع عنه، وكأن ذلك من سنن الله تعالى، ووقائع التاريخ خير شاهد على ذلك، كابن حنبل وأئمة الحديث والباقلاني وابن تيمية وغيرهم.
  • أن هناك من المسلمين من يتأثر بأي نازلة، فيشك أو تشتبه عليه الأمور، أو يرتد ويلحد، بل إن بعضهم قد يكون داعية للإلحاد والردة بعد الايمان والعلم!

ضعف الأمة والإسلام اليوم

مشاهد ووقائع تتراءى لنا اليوم، على وقع ضعف أمة الإسلام، وتمزقها، وإمعان الغرب، وبعض ممن هم من جلدتنا، في التمزيق، وتكريس التبعية للغرب، ومشاهدة ضعف الإسلام كقوة ناهضة في الأمة، وكدين يستطيع التأثير فيها، وإحداث التغيير المأمول.
   فمع هذ الضعف وهذا التمزق، وهذا التآمر، إلا أننا نلاحظ ثبات الإسلام كدين، مثلما نلحظ بروز تيارات في الأمة تنزع نحو الدفاع عنه، ومدافعة التغريب والالحاد والتشكيك!


    يا لها من مفارقة! فمع كل هذا الضعف والتمزق والتشرذم، وسوء واقع الحال؛ ومع شدة الضغط الممنهج على الدين، عبر حملات التشويه المنظمة والممنهجة، وبث الشبهات بين صفوف المسلمين، لاسيما الشباب، إلا أننا في المقابل، نرى قوة هذا الدين تزعج الكفار والمنافقين في الأرض! كأنها سنة الله في حفظ الدين، وسنن الله ثابتة لا تتغير!

هل في الأمر صدفة؟

 وكنا نظن أن ضرب الدين، والتعاون والتواصي عليه، بل والتصريح والتلميح، وإنفاق الأموال في ذلك، صدفة محضة، وأن الهجوم والتشكيك وتعظيم الشبهات، إنما هو من باب الشعور بالكراهية ضد هذا الدين، أو من باب حب الظهور والشهرة، أو أنه مجرد توافق على أمر محتمل، وكم كنا مخطئا!!ومتوهمين!!! بذلك الشعور الذي لطالما لازمنا، حتى لاحظنا الخيط الرفيع الذي ينظم هؤلاء، من:

  1. اعتراف بعضهم بتلقيهم المعونات المادية من الولايات المتحدة، ومن الغرب، للهجوم على الإسلام والتشكيك فيه، وتصريح بعض الساسة والقساوسة، بخطط لتدمير هذا الدين من داخله، وبالتعاون مع جهات عالمية. هكذا فلم يعد الأمر خافيا، ومن يشك في ذلك فليقرأ ورقة بلال التليدي في كتاب "الإسلاميون ومركز راند قراءة في مشاريع الاعتدال الأمريكية - مركز انماء"، ليدرك كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الحداثيين وأمثالهم، وليتعرف على التوصيات التي تلقى عليهم! وكيف يتلقون المعونات المادية والمعنوية، بل من يتابع القنوات في اليوتيوب يدرك ذلك تماما من خلال الاعلان عنه دون حياء!
  2. تشابه الأفكار والشبهات رغم تفاهتها

وهذا أسلوب واضح معلوم، فالشبهات والتشكيكات إما مسلوخة ومسروقة من المستشرقين الذين تداولوها وأشاعوها في القرن التاسع عشر والعشرين، وهي تجدد اليوم بادعاء الاكتشاف والابتكار، أو هي تتشابه عند الجميع، كما لو أن هناك ورقة واحدة، وزعت على الجميع!
     مع ذلك، ثمة بعض شباب المسلمين يتأثرون بهذه الأطروحات والشكوك، أوببعضها، مما يخلخل البنية الفكرية والأصول العامة عندهم، فقد لا يخرج من الدين كلية، ولكن تبقى الشبهات تتناوشه، خاصة لمن لا يملك أدوات المعرفة والفهم وأصول العلم الشرعي، كما ذكر ذلك الكاتب إبراهيم السكران في بعض نماذجه في عمق دراسته الموسومة بـ "مآلات الخطاب المدني".
    وقد يؤدي ذلك أيضا إلى اتساع رقعة التشكيك والالحاد، كما يثار اليوم. لكن الأمر الجيد في ذلك، أن بعض علماء المسلمين، وبعض من نذر نفسه لله، ومن تخصص في مقارنة الأديان، وبعض الأطباء المسلمين، وغيرهم، ينافحون عن الدين، ويدحضون الشبهات، بل ونراهم هم من يبدأ الهجوم على تلك الأفكار الباطلة، مثل د هيثم طلعت، وأبو عمر الباحث، ودسامي عامري، وإياد القنيبي، ومنقذ السقار، وصهيب السقار وأحمد سبيع وغيرهم، مما يبشر بخير، ويطمئن المسلم على دينه.

اتجاهات الشبهات والهجوم على الإسلام

من أوضح الواضحات أن الهجوم إنما يركز على الإسلام، دون البوذية أو النصرانية أو اليهودية وغير ذلك من أديان وأفكار، وهذا أمر يؤكد أن المعني هو هذا الدين دون غيره، بهدف سلخ المسلم عن عقيدته وهويته، ولهذا تجد التركيز في ضرب الدين يمضي في عدة اتجاهات متوازية متناسقة:

  1. الإلحاد وهو الالحاد العلمي السافر عبر نظرية التطور، أو الإلحاد المتواري خلف الدين، ويمثله التطور الموجه، الذي يؤمن بخلق الله، وترك الخالق بعد ذلك خلقه ليتطور، ويستمر! (انظر على سبيل المثال لا الحصر: ميليشيا الالحاد: عبد الله العجيري، ومشكلة الشر: د. سامي عامري، وشموع النهار: للعجيري، وآدم بين التطور والتطور الموجه: إبراهيم الشحات. وكلها من إصدارات مركز تكوين، بالإضافة لما يصدره مركز رواسخ حول داروين والالحاد وغير ذلك)، لترى كمية الفكر الهجومي ضد الدين.
  2. الطعن بالأصول وخاصة بالقرآن والسنة، كادعاءات سريانية القرآن، وأن القرآن أصوله من الكتاب المقدس! وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من مصادر متعددة، خاصة رهبان النصارى وأحبار اليهود أو صبيانهم، كادعاءات المنصر رشيد حمامي، وزكريا بطرس، وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي! وقد تصدى د. سامي عامري ود. منقذ السقار وأبو عمر الباحث وقناة الدعوة الإسلامية وأحمد سبيع وغيرهم لهذه الدعاوى الزائفة وأزالوها من العقل والفكر.
  3.  تعظيم الكتاب المقدس: وأنه غير محرف وأنه من الله تعالى، وأن اليهود والنصارى ليسوا بكفار مخلدين في النار(بمشاركة علماء مسلمين)، والحبل على الجرار. والغريب أن هناك علماء وأزاهرة يصفقون لهذه الدعاوى، ويؤيدونهم فيما يذهبون إليه، ومن يتتبع الإصدارات المرئية بهذا الشان يدرك ذلك تماما، وبخاصة ادعاءات رشيد حمامي والقمص زكريا بطرس وغيرهم، وردود المسلمين عليهم ردودا مفحمة مخرسة.

الفئات التي تقوم بالشبهات 

  1. ملاحدة همهم بث الشبهات، والسرقات من ملاحدة الغرب، ومن بحوثهم، وجلب أمور لا تمت للواقع العربي ولا الإسلامي بصلة.
  2. مسلمون

ومن أعجب العجائب، أن يساهم مسلمون وعلماء في هذا الاتجاه، بوعي أو بدون وعي، ويشتركون في زعزعة المسلم عن دينه. وعلى سبيل المثال ما ادعاه علي جمعة ولحقه غيره في القول بأن أبا لهب ممكن يدخل الجنة. وبالقياس فلا مانع من دخول الكفار الجنة وبخاصة فرعون وهامان وقوم صالح وقوم لوط. وفي المقابل نجد أطروحات تتحدث عن إمكانية أن يدخل الأنبياء النار، لأن الله عز وجل يتصرف في ملكه كيفما شاء!!! والآيات تترى في بطلان هذه الدعاوى الكاذبة الأثيمة، والحمد لله.

ومن هؤلاء أيضا من يطعن في أحاديث الصحيحين، فينكر مثلا حد الرجم وحد الردة، وغير ذلك من أحكام، وفوق رؤوس هؤلاء عمامة العالم!
 

ومنهم من يحاول نبش التراث من خلال قراءة أخرى له، ومنهم من يقول بسريانية القرآن، ويسرق من المستشرقين، كما كشفه د. سامي عامري!
ومن أعجب ما سمعنا من صبي يقول (الواسع: أي أن المحجبة لا ينبغي لها أن تتحجب إذا ذهبت لبلاد الغرب، لأنها تضيق على نفسها وعلى المجتمع، لأن الله الواسع، والغربيات يطبقون هذا الاسم تماما لأنهم غير محجبات) ... زمن الغرائب والعجائب! بل زمن الرويبضة والجنون!
وليس بخاف على القارئ كيف كان يفسر شحرور كتاب الله، وكيف يستنبط منه الأحكام التي تلائم هواه، حتى وصل إلى القول بعدم إلزام المرأة بالحجاب، والتساكن ليس بمحرم، والمحرم من المرأة كشف كل شيء إلا الابطين!!! وغير ذلك من خرافات ينأي عنها حتى الكفار!
وكذلك ما فعله عدنان إبراهيم، خاصة في قضية شرح نظرية داروين في أكثر من 40 حلقة، شرحا وافيا، مع إثارة الشبهات دون ذكر أي تفنيد لهذه الشبهات، حتى رد عليه إياد القنيبي ردا مقنعا في قناته في برنامج رحلة اليقين.
ومنهم من يتفوه بعدم إلزام أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لنا، وغير ذلك مما يعجز المرء من تتبعه وذكره.

3. نصارى

 وتركز دورهم في الهجوم على القرآن، بادعاء أخطاء إملائية فيه، وأنه من عمل اليهود والنصارى، أو بالهجوم على شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وتصويره بصور لا تليق بإنسان عادي.
كذلك قاموا بتزوير الحقائق من خلال بتر النصوص، وحرف الحقائق التاريخية عن مرادها، بل وتحريف المعاني بما لا يليق بفهم إنسان، فضلا عن فهم من يدعي العلم، ولا نريد ذكر بعض القاذورات التي يتكلم بها هؤلاء، لأنها لا تليق بسماع قارئ أو سامع، ومن يتتبع قنوات المسلمين ومن الاتجاه السلفي بخاصة في الرد عليهم، سيعلم ذلك يقينا.
قد تكون هذه المقالة فيها إشارات وجيزة ومختصرة مما يدار ويحاك ضد هذا الدين، وهذا أقل الواجب لدى كل مسلم، بكشف هذه المخططات، والنيل من أصحابها وفضحهم، مع المساهمة بما هو قادر عليه من علوم للمساهمة في رد الهجمة الشرسة، ونتمنى أن تلتفت لجان وجمعيات العمل الخيري، للمساهمة في بناء المزيد من شبكات الرد والتعاون لكشف الشبهات وفضح المشبوهين. وأخيرا من لا يملك شيئا فلا يمنع هؤلاء ولا يحرمهم من دعاء صادق من قلب مخلص!