لا تتوسع المصادر والروايات التاريخية العربية والإسلامية كثيراً في الحديث عن أصل ونسب قائد جيش الأندلس والفاتح الإسلامي المعروف طارق بن زياد (رحمه الله) قبل ولايته لطنجة. ورغم ما لدينا من إيمان عميق بأن الإسلام هو الذي يجمع ويُفرق، ويحدد الانتماء، وهو المعيار القيمي والروحي والأخلاقي لأي شخص مهما كانت نسبته أو عشيرته، وأنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح وطاعة الله تعالى، لكن كان لا بد من إظهار الحقيقة التاريخية، والإجابة عن تساؤلات وصلتني من أهل علمٍ يبحثون في المسألة، وذلك في أن أُبيّن رأيي بحقيقة أصل القائد طارق بن زياد؛ نشأته ونسبه ودوره.   

ففي عام 92 ه/ 711م، أَعدَّ القائد الإسلامي موسى بن نصير جيشاً من العرب والأمازيغ يبلغ نحو 7000 مجاهد بقيادة طارق بن زياد، وقد كان ابن زياد يومئذ حاكماً لطنجة، فكانت مسيرة ذلك الجيش إلى الضفة الشمالية للمتوسط (الأندلس) لحظةً حاسمةً غيرت مجرى الأحداث في التاريخ الإسلامي والأوروبي، وبنى دولة للإسلام في خاصرة القارة الأوروبية الجنوبية، فبعد هذا الفتح العظيم حكم المسلمون الأندلس حوالي 800 عاماً، تكللت بإنجازات حضارية وإنسانية عظيمة لم يسبق لها مثيل في تلك الديار. (شلبي، ص87). 

الآراء والروايات حول نسب طارق بن زياد

إننا نجد اختلافاً واضحاً في الآراء بين المؤرخين وعلماء التاريخ والاجتماع والرحالة حول أصل طارق بن زياد ونسبه، وقيل إنه من سبي البربر (الأمازيغ)، وقيل إنه فارسي من همذان كان مولى لموسى بن نصير، كما نجد أيضاً من يؤكد على نسبه العربي. 

وسنحاول أن نستعرض عدد من الروايات التاريخية حول طارق بن زياد وأصله 

الرأي الأول:

تؤكد بعض الروايات التاريخية المصدرية، بأن أصل طارق بن زياد بربري (أمازيغي) من قبيلة الصدف، وكانت مضارب خيام هذه القبيلة في جبال المغرب العالية، وهي قبيلة شديدة البأس وديانتها القديمة الوثنية. وكان طارق بن زياد فارساً شجاعاً ومقداماً بطاشاً، وعندما دخلت القبائل الوثنية في الإسلام، ومن بينها قبيلة طارق بن زياد ذلك الفارس الشاب الذي أَعجب موسى بن نصير بشجاعته، فأوكل إليه مهمة قيادة جيوش الفتح. 

ويؤكد أصحاب هذا الرأي، بأن طارق بن زياد وُلد في إحدى مدن المغرب، والتي كانت تسكنها قبيلة نفزة في منتصف القرن الهجري الأول. وذكر ابن عذارى المراكشي نقلاً عن صالح بن أبي صالح في نسبه قائلاً هو: طارق بن زياد بن عبد الله (ابن عذاري، ج2/ 5 -6) وانظر: (الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، ص 9) و(المقري: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، ج1/ ص 228)، وأن أباه زياداً أسلم أيام عقبة بن نافع وحَسُن إسلامه، وخلفه ابنه هذا، فدخل في خدمة ولاة العرب والمسلمين (حسين مؤنس، فجر الأندلس، ط1 القاهر، 1959، ص 67 – 68). 

في الواقع، فإنَّ المؤرخ والجغرافي الكبير أبو عبد الله محمد الإدريسي هو أوَّل من قال بأصول طارق بن زياد الأمازيغية، وذلك في القرن الثاني عشر الميلادي، وأشار إليه باسم طارق بن عبد الله بن ونامو الزناتي، دون الإشارة إلى أنه ابن زياد ( الإدريسي، أبو عبد الله محمد، المؤلف العربي. المجلَّد 5/ ص 539-540؛ والمجلَّد 2/ص. 17).  

ويورد ابن عذاري المراكشي صاحب كتاب البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب نسب طارق بن زياد، ويقول: "وقد اختلف في نسبه، فالأكثرون على أنه بربري من نفزة، وأنه مولى لموسى بن نصير من سبي البربر، وقال آخرون إنه فارسي.. هو طارق بن زياد بن عبد الله بن رفهو بن ورفجوم بن ينزغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو" (المراكشي، ج2، ص11). 

ويطرح ابن عذاري أن هناك أصلين مُحتملين لطارق بن زياد، فيقول بأنه: طارق بن زياد بن عبد الله بن رفهو بن ورفجوم بن ينزغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو (ابن عذاري، صفحة 5). 

ويقول أيضًا أنه: طارق بن زياد بن عبد الله بن ولغو بن ورفجوم بن نبرغاسن بن ولهاص بن يطوفت بن نفزاو (ابن عذاري 1980، صفحة 45). ويُحتمل أنَّ وجود أصلين سببه خطأ وقع فيه مُحقق الوثائق أوَّل مرة اطلع عليها.

وكذلك يقول المؤرخ هشام جعيط: فمن المعروف أن طارق هو من فتح الأندلس. من هو طارق؟ هو مولى بربري من قبيلة "نفزة"، وهذه القبيلة ليست بنفزاوة الطرابلسية (شمال أفريقيا)، بل هي على الأرجح مستقرة حول طنجة في "الريف الحالي". 

تتواجد قبيلة نفزة في مدينة الناظور في شمال المغرب الأقصى، وذكر هذه القبيلة ابن عذارى المراكشي في كتابه؛ حيث قال بعد ذكر اسم طارق كاملاً فهو نفزي مشيراً إلى قبيلة نفزة المغربية، وفي اسمه دلالة على قبيلة أخرى جاء ذكر "بن يطوفت" وهي قبيلة "آيت يطوفت" الموجودة بالريف المغربي وتحدها شرقاً قبيلة ايبقوين، وشمالاً ساحل البحر الأبيض المتوسط، وغرباً قبيلة آيت بوفراح، وجنوبا قبيلة بني ورياغل وقبيلة تاركيست، كما يشق أراضيها وادي أسنادة. (تأسيس الغرب الإسلامي، هشام جعيط، الصفحة 199). 

وعثرنا على نص منشور باللغة الإسبانية ومترجماً إلى اللغة العربية عائد للكاتب والمؤرخ الإسباني رافايل ديل مورينا يوافق هذا الرأي عن طارق بن زياد بالقول: "هذا المحارب، من أصل بربري، ولد في 15 نونبر 679، سنة 57 هجرية في التقويم الإسلامي. ومنذ طفولته عاش في اتصال مع الطبيعة، في جبال الريف في المغرب الأقصى"، ويوافقه في هذا الرأي الكاتب الإسباني جوزف ديا باخو. 

ويَميل عدد من المؤرخين إلى هذا الرأي؛ لكون طارق بن زياد كان مولى لموسى بن نصير والي أفريقية، ولكن الملاحظ أن أصحاب هذا الرأي يختلفون في تحديد القبيلة والمنطقة التي وُلد فيها طارق بن زياد وانتمى إليها، وذلك باعتبار أن القبائل التي يُعتقد بانتمائه إليها كانت كلها في زمانه تستوطن إقليم طرابلس.

الرأي الثاني:

يثبت المؤرخ محمد بن موسى الرازي في كتابه الروايات برواية المقري أن طارق بن زياد كان فارسياً همذانياً، حيث يذكر أن موسى بن نصير دعا مولى له كان على مقدمته يسمى طارق بن زياد بن عبد الله فارسياً همذانياً (نفح الطيب، ج1/ص 159). 

والظاهر أن هناك مصدراً واحداً نقل هؤلاء رواياتهم عنه قد أوقع غيره من المؤرخين في الوهم، وذلك بتحريف العبارة فارساً همذانياً إلى عبارة فارسياً همذانياً، وخاصة المؤرخ الرازي في كتابه كما جاء في كتاب "المقتبس" لابن حيان القرطبي، ونقلها عنه كذلك المقري في "نفح الطيب"، وهذا التحريف هو الذي شوش آراء المؤرخين اليوم، وهذا الأمر يفتقر إلى السند التاريخي. 

الرأي الثالث:

يقول محمد عبد الله عنان: إنه إزاء الغموض الذي يُحيط بسيرة طارق بن زياد، فليس في وسعنا أن نتحدث عن صفاته أو ترجمته الشخصية (دولة الإسلام في الأندلس، ص 59)، ويقول: إن طارق بن زياد تلقى الإسلام عن أبيه زياد عن جده عبد الله، وهو اسم عربي إسلامي في نسبته ثم ينحدر مساق النسبة بعد ذلك خلال أسماء أمازيغية محضة حتى ينتهي إلى نفزة (دولة الإسلام في الأندلس، ص 40). 

ويتبين كذلك مما ذكره المؤرخ ابن عبد الحكم، وهو يرجع إلى نسب طارق بن زياد في قوله: "طارق بن زياد بن عمرو"، فإن أباه زياد بن عمرو من بني الصائد إحدى بطون قبيلة همذان العربية، حيث ينتسب إليها جده ثمامة الصائدي، واسمه زياد بن عمرو بن عريب بن حنظلة بن دارم بن عبد الله الصائدي، وبرأيه معروف أن صدف وبني الصائد هم من همذان بن مالك بن زيد بن أوسله بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان ابن سبأ (ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص. ص 392 – 395، 475 – 476). 

وهناك آراء ابن خلدون والبلاذري والمقري في اعتبار أن طارق بن زياد من أصل عربي. ولم يورد ابن خلدون نسب طارق بالتفصيل، لكنه في معرض حديثه عن ظروف فتح الأندلس، نسب طارق بن زياد إلى بنو ليث، وبنو ليث هي إحدى القبائل العربية المعروفة من فروع قبيلة كنانة. (ابن خلدون، ج4، ص 188). 

وفي نفس الاتجاه تقريباً، ذهب المؤرخ ابن خلكان، صاحب كتاب وفيات الأعيان، الذي أرجع نسب طارق بن زياد إلى قبيلة الصدف الحضرمية اليمنية. (ابن خلكان، ج5، ص 320). 

ومن الدلائل التي يعتمد عليها بعض أصحاب هذا الرأي في إثبات النسب العربي لطارق بن زياد هي مسألة اسمه الثلاثي، فهو طارق بن زياد بن عبد الله كما ورد في جل المصادر التاريخية، والمعروف أن العرب عادة ما كانت تعتمد الاسم الثلاثي عكس الأمازيغ، علاوة على أن طارق وزياد وعبد الله كلها أسماء عربية.

ومن المؤشرات الأخرى هي الوظيفة التي كان يزاولها طارق بن زياد قبيل الفتح، فقد عينه موسى بن نصير قائداً ووالياً على طنجة، والمعروف أن بني أمية لم يكونوا عادة يولون على الجيش غير العرب.

وإن من المعلوم أن طارق بن زياد رجع إلى الشام، ومكث هناك حتى توفي سنة 101ه/720م، ويعتبر بعض المؤرخين أن هذا دليل آخر على أن طارق بن زياد عربي، فلو كان بربرياً لرجع إلى قبيلته وعاش أواخر أيامه بين قومه.

يصح القول: إن ظهور طارق بن زياد على مسرح الأحداث في المغرب وأفريقية كان قبل أن تتوافر لموسى بن نصير فرصة الولاية لهذه البلاد بمدة تبلغ أكثر من عشر سنوات، فقد تولى موسى بن نصير أفريقية في بداية عام 86ه/ 705م فيما هناك ما يشير إلى أن طارق بن زياد كان قد تولى مناصب عسكرية في عهد والي المغرب القائد العربي زهير بن قيس البلوي، حتى أنه تولى برقة وتسمى أميراً عليها عندما استشهد هذا القائد سنة 76ه (عبد العزيز سالم، طارق بن زياد، مج 20/ ص 1959). 

وإنه من المؤسف أنه لا توجد لدينا معلومات وافية عن النشاط السياسي والعسكري الذي كان يمارسه طارق بن زياد في بلاد المغرب قبل أن تعهد إليه المهمة الكبرى في الدخول إلى بلاد الأندلس، غير أنه يمكن إلى حد ما أن نفهم بعض جوانب هذا النشاط فيما ذكره عبيد الله بن صالح من أن موسى بن نصير عهد إلى طارق بن زياد قيادة الكتائب البربرية من قبائل كتابة وزنامة وهوارة التي كانت عدتها آنئذ اثني عشر ألف فارس وخصص لها سبعة عشر رجلاً من العرب، يعلمونهم القرآن وشرائع الإسلام (سوادي، ص 21). 

قراءة تحليلية حول حقيقة نسب طارق بن زياد 

نجد أن المؤرخ والجغرافي الإدريسي والمؤرخ ابن عذاري المراكشي أكدوا نسب طارق بن زياد، بأنه يرجع إلى قبيلة نفزة، فنقله عنهم الحِميري والمقري وأورده نقلاً عن ابن عذاري ابن خلدون أيضاً والذي رجح نسبه العربي، فأصبح نسبه الأمازيغي هو المرجح والموثوق لدى عدد لا بأس به من المؤرخين والكتاب، كما صار وكأنه جزء من الحقيقة التاريخية المعتمدة في هذا السياق، وقد ذهبوا إلى أنه من غير الممكن أن يتولى قائد عربي قيادة جيش كله من الأمازيغ، وذكروا في معرض حديثهم عن حقيقة طارق بن زياد ودوره أنه صاحب فضل كبير في إخضاع القبائل الأمازيغية في شمال أفريقيا، وفي فتح الأندلس وهزيمة القوط في معركة نهر لكه، ومعركة وادي موسى، واستطاع فتح الأندلس وتحقيق النصر. وتوفي طارق بن زياد سنة 720م. (سوادي عبد محمد، المرجع السابق).  

فضلاً عن ذلك، فقد حارب طارق بن زياد المشركين في كثير من المواقع، وعلى يده دخل الكثيرون في الدين الإسلامي، وقد توسَّم فيه موسى بن نصير صدق العزيمة والشجاعة والإقدام، إلى ما امتاز به من فصاحة اللسان، وقوة البيان، والتأثير في سامعيه في الجهاد وإعلاء كلمة الحق. (شعيب، ص 11). 

ونحن مع قراءتنا للروايات التاريخية السابقة ومقارنتها، فإننا نميل إلى الرأي الأول الذي يؤكد نسب طارق بن زياد الأمازيغي وأنه من قبيلة نفزة الأمازيغية. ومهما يكن، سواء كان طارق بن زياد عربياً أو أمازيغياً أم فارسياً، فلا أحد يمكن أن يتجاهل الدور العظيم الذي قام به في التاريخ الإسلامي، إذ كان قائداً إسلامياً مقداماً وذو عبقرية عسكرية، استطاع باعتماده على الله وبفضل إستراتيجياته وأساليبه الفذة استكمال فتح الأندلس، وتسهيل نشر الدين الإسلامي الحنيف في أجزاء واسعة من شمال أفريقيا والقارة الأوروبية. 

كما أن طبيعة الأمة الإسلامية ومقوماتها وهويتها وعقيدتها وحضارتها وتاريخها تنصهر في بوتقة كل القوميات وكل مسلمٍ رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً يعتز بكل ما قدَّم للأمة من جهود سواء كان عربياً أم أمازيغياً أم فارسياً أم أوروبياً أم إفريقياً أم آسيوياً. فقد قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).