كل ما نعيشه من صعوبات وتحديات ما هو إلا بداية الطريق للإعداد الرباني لخليفته في الأرض، فهو الذي خلقنا فصورنا وسوانا من طين، يدرك سر هذا الطين وتفكيره ونجواه.

هي عذراء بني إسرائيل مريم، والمحراب منه انطلق أول إعداد رباني لمريم بنت عمران، تُعد في محراب العبودية على يدي نبي كريم مكرم، البنت المنذورة للرحمان، فمن عادة بني إسرائيل أن أول ولد بكر ينذر لله، وكانت من نذورهم الطفل لا البنت إلا أنها نذرت هذه المرة مريم ليس غيرها من بني إسرائيل، كانت البنت لا الولد، سر رباني عجيب. 

مريم كانت مثل باقي بنات بني إسرائيل اللائي تربين في بيئة محافظة، لنا أن نتخيل البيئة المحافظة التي عاشت فيها أخت هارون شريفة بني إسرائيل التي اتخذت لله نذرا.

لننظر للقصة من زاوية أخرى، أخت هارون في خلوتها مع ربها كات في محراب الحياة تتسابق مع أحداث، وأعدت لها أقدار كتبت في اللوح المحفوظ فلا يستطيع أن يتصورها بشري أو أن يخمنها، كانت هدية الله يهبها لمريم، لكن هذه الهدية كانت تحتاج إلى نضج بعد أن تصبح مريم قادرة على أن تستوعبها وتدرك صعابها، فمن يتجرأ أن يذكر عذراء بني إسرائيل بسوء، إلى هنا القصة تبدو عادية تعيش ما تعيشه يوميا أي بنت تعيش في نفس بيئتها. 

إلا أنها مريم بنت عمران الطاهرة الشريفة يرسم الله لها المسيح عيسى كهبة منه لها، لا يمكن أن يتصور العقل البشري أي إحساس انتابها لحظتها، خوف وهلع، أبوها وأمها وأخوها، بنو إسرائيل، عيسى عليه السلام.

كانت قيد الصدمة إلا أن باقي أحداث القصة أثبتت أنها كانت أقوى مما كانت، حملته فانتبذت به مكانا بعيدا وآلام المخاض إلى جذع النخلة، أي عظيمة تلك هي عذراء بني إسرائيل. 

لنسقط القصة قليلا على واقعنا وما نحن نعيشه اليوم من امتحانات وابتلاءات كل يوم وكل ساعة وكل لحظة … أقدار تسطر من قبل العزيز العليم، وقلب متعلق بالرجاء والدعاء، كلنا نعيش ما تعيشه مريم من صعوبات ولكن بزاوية أخرى ومن وجهة أخرى، بطبيعة الحال ليس بأن نحمل بنبي كريم، ولكننا نحمل في قلوبنا هموما نظنها أمواجا كالجبال في ظاهرها العذاب وفي باطنها الرحمة. 

كذلك مريم أدركت أن لها ربا كريما يدبر الأمر، امتحان الأرض وعوض من رب السماء… مرادفات للهموم وللنجاة من زاويتنا البشرية، وبفطرتنا ندرك أن الامتحانات ستدق أبوابنا بكل زاوية ومن كل صوب ليس لأنه يريد أن يحرمنا بل ليرحمنا لأنه الله عز وجل.

سيكون المخاض صعبا في معارك الحياة فكلنا نلجأ إلى نخلة لنتكئ عليها نناجي من جب بيقين النجاة بحبل رمي لنا من بئر كنا نظن أننا سنؤسر فيه مدى الحياة، كنا نظن أنها النهاية ولكنها كانت مجرد بداية قصة كفاح بدأت "إني أعوذ بالرحمان"، إن كانت نهاية القصة بل نهاية البؤس والتعب لبداية قصة صمود، فالمجتمع سواء كان في زمان مريم أو زماننا فلن يستوعب قصة النجاة قصة بداية الحياة، أن تنجب عذراء صبيا. كذلك هي قصة حياتك كيف تخرج من ظلمات ما تمر به إلى نور الحياة إلى نور الله.

لن يروا خلفية ما تمر به بل إلى النتيجة، إلى صبي ولد من العدم، ليس إلى المخاض ولا إلى هزي إليك بجذع النخلة، وليس إلى أن تنتبذ بأفكارك لتأتي بالتجديد لفترة من الإعداد والاستعداد لتهيئ أفكارك ومشاريعك. سيرون النتيجة فقط، الاعتصار والمخاض والانكسار، ستكون أنت وحيدا في كل هذا. 

هم ينتظرون "الصبي" النتيجة حتى إن كانت لا توافق هواهم أو فكرة يحسبونها فاشلة، إلا أنهم يحتاجون لمعجزة، أن تنذر للرحمان صوما وتترك الجاهلين والساعين للكلام فقط في جهلهم يغرقون فحتى إن تكلمت فما نفع الكلام إن كان الصمت أولى، سيعتبرونك مذنبا في جميع الحالات فأنى لك هذا... 

هل ستتجاهلهم وتترك عملك وإنجازاتك تتكلم؟