ذكر الله تعالى في كتابه العزيز هذا المقام الكريم في آيتين عظيمتين عند ذكره جلّ وعلا بيته المشرف المعظم، فهو قرآن يُتلى على مر الدهور تخليداً لذكره الحسن، وبياناً لشرفه وفضله وتكرمة لأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
    فقد ذكره الله تعالى آية بينة من أعظم آيات حرم الله، كما أمر المؤمنين باتخاذه مصلّى لهم.
قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} البقرة:125.
   وفي هذا الأمر باتخاذه مصلى تنويه بشرفه وشأنه وتخليد لذكره ما تلا كتاب الله تالٍ، وما طاف بالبيت طائف، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
   وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} آل عمران:96-97.
وهكذا أبقى الله تعالى ذكر هذا المقام الكريم يُذكر مع بيت الله وحجّه مع الصلاة والدعاء خلفه إلى ما شاء الله تعالى*١

من أعظم آيات الله البينات في حرم الله:
    بيّن الله تعالى لعباده أن في بيته المحرّم المعظم المبارك آيات بينات واضحة الدلالات {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}، وإن مقام إبراهيم وأمن الداخل إلى الحرم جُعلا مثالاً مما في حرم الله من الآيات وخُصّا بالذكر لعظمهما *٢.
    وهذه الآية العظمى {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} هي في نفسها، تشتمل على عدة آيات واضحات عجيبة ومعجزات باهرة، أظهرها الله سبحانه في ذلك الحجر الكريم، فهي آيات في آية، ومن هذه الآيات في مقام إبراهيم ما يلي:
- أثر القدمين في الصخرة الصماء آية.
- وغوصها فيها إلى الكعبين آية.
- إلانة بعض هذا النوع دون بعض آية.
- وارتفاع المقام لإبراهيم الخليل في السماء حين ارتفع بالبناء آية.
- وإبقائه على مر الزمان آية.
- وحفظه ألوف السنين من الأعداء مع كثرتهم وشدة عدائهم آية.
- المقام معجزة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودليل على نبوته.
- ومن آيات المقام أيضاً أنه لا تخلو لحظة من اللحظات من قائم وراكع وساجد خلف المقام تحقيقاً لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فسبحان الله المعبود الصمد على الدوام جلّ وعلا*٣

الأمر الرباني باتخاذه مصلى:
قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}؛ إن هذا الأمر الصريح من الله تعالى باتخاذ المقام مصلى، دليل على فضل وشرف هذا المقام الكريم وشأنه الكبير عند الله*٤.
من مواطن إجابة الدعاء خلف المقام:
نصّ كثير من العلماء والفقهاء على استحباب الدعاء عقب ركعتي الطواف خلف المقام؛ لأنّه من مواطن إجابة الدعاء وعلى هذا يدعو المصلي خلف المقام بما أحبّ من أمور الدنيا والآخرة، والأفضل أن يدعو بما هو مأثور.   
 

  ولما كان من حكم الصلاة خلف المقام تذكر باني البيت العتيق، وهو نبي الله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي جعله الله تعالى لنا قدوة وأسوة حسنة حيث قال سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الممتحنة:4، فهو قدوة عليه الصلاة والسلام في صفاته الحميدة وأخلاقه المجيدة وما منّ الله تعالى به عليه من مقامات علية سنية.
 

  فحري بالمصلّي وهو قائم خلف هذا المقام الحسّي، وهذا الحجر المبارك الذي قام عليه إبراهيم الخليل، أن يلاحظ ويذكر تلك المقامات العليّة والكرامات الإلهية التي أفاضها الله بها على نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويسأل الله تعالى في هذا الموطن الذي تجاب فيه الدعوات، وترجى فيه البركات أن يكتب له من تلك المقامات الإبراهيمية النبوية أوفر الحظ والنصيب، فهو سبحانه القريب المجيب*٥.

    وقد بيّنا في كتابنا قصة إبراهيم ومواقفه من خلال القرآن الكريم، وما ثبت عن نبينا العظيم صلّى الله عليه وسلّم.

أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بالمقام:
   

من أهم الأحكام الفقهية المتعلقة بالمقام استحباب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعاً وصلّى خلف ركعتين ثم خرج إلى الصفا وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
    وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حتى إذا أتينا البيت معه صلّى الله عليه وسلّم استلم الركن فَرَمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ]الإخلاص:1[ و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
    وعلى استحباب ركعتي الطواف خلف المقام جمهور المفسرين والفقهاء، كما قال الإمام علي القاري رحمه الله.