إنَّ للإيمانِ الصحيحِ فوائدً وثمراتٍ عاجلةً وآجلةً في القلبِ والبدنِ والراحةِ والحياةِ الطيّبةِ في الدنيا والآخرة، كما أنَّ لهذه الشجرة الإيمانية من الثمارِ اليانعةِ، والجنى اللذيذ، والأُكل الدائم، والخير المستمر، وأمور لا تحصى، وفوائد لا تستقصى، ومجملها: أن خيراتِ الدنيا والآخرة ودفعَ الشرورِ كلِّها من ثمراتِ الإيمانِ الصحيح، وذلك أنَّ شجرةَ الإيمانِ الصحيح إذا ثبتتْ وقويتْ أصولُها، وتفرّعتْ فروعُها، وزهت أغصانُها، وأينعتْ أفنانُها، عادت على صاحِبها وعلى غيرِه، بكل خيرٍ عاجلٍ وآجلٍ.
ومن هذه الثمرات التي تحصل للعبد في الدنيا:

1. دفاع الله عن المؤمنين:

ومن ثمرات الإيمان أنَّ الله يدفعُ عن المؤمنين جميعَ المكاره، وينجيهم من الشدائد، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج :38]، أي: يدافِعُ عنهم كلَّ مكروه، ويدافعُ عنهم شرَّ شياطينِ الإنسِ وشياطينِ الجنِّ، ويدافعُ عنهم الأعداء، ويدافع عنهم المكاره قبل نزولها، ويرفعها أو يخفضها بعد نزولها، ولمّا ذكر تعالى ما وقعَ فيه يونُس ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ *} [الأنبياء :87 ـ 88] إذا وقعوا في الشدائدِ، كما أنجينا يونس عليه السلام. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «دعوةُ أخي يونس، ما دعا بها مكروبٌ إلا فرّجَ الله عنه كربتَه: لا إلهَ إلاّ أنتَ سبحانَكَ إنِّي كنتُ من الظالمين».

2 ـ الحياة الطيبة:

ومن ثمرات الإيمان الحياة الطيبة في هذه الدار، وفي دار القرار، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [النحل :97] وهذا وعدٌ ربانيٌّ لمن جمعَ بين الإيمانِ والعملِ الصالح، بأنْ يتفضَّلَ الله عزَّ وجل عليه بالحياة الطيبة، كما أنَّ الله سبحانه قد شيَّدَ في موضع آخر صرحَ الحياةِ الناجحةِ على أساسِ الإيمانِ الصحيح والعمل الصالح، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ *إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *} [العصر :1 ـ 2] إنَّ الإيمانَ أساسُ الحياة الطيبة، ذلك لأنَّه يجعلُ صاحبَه ثابتاً عالياً مثمراً في حياته، ثابتاً لا تزعزعه الأعاصيرُ، ولا تعصفُ به رياحُ الباطل، ولا تقوى عليه معاولُ الطغيان. (الحياة في القرآن الكريم ص 493)

3 ـ محبة الله والمؤمنين من خلقه:

ومن ثمراتِ الإيمان ولوازمه من الأعمال الصالحة ما ذكره الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدًّا *} [مريم :96] أي: بسببِ إيمانهم وأعمالِ الإيمانِ يحبُّهم الله، ويجعلُ لهم المحبّةَ في قلوب المؤمنين، ومن أحبّه الله، وأحبّه المؤمنون من عباده، حصلتْ له السعادةُ والفلاحُ، والفوائد الكثيرة من
محبة المؤمنين، من الثناء والدعاء له حياً وميتاً، والاقتداء به، وحصول الإمامةِ في الدين، وهذه أيضاً من أجلِّ ثمراتِ الإيمان، أن يجعلَ الله للمؤمنين ـ الذين كمّلوا إيمانهم بالعلم والعمل ـ لسانَ صدقٍ، ويجعلهم أئمةً يهدون بأمرِه، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتنَا يُوقِنُونَ *} [السجدة :24] فبالصبر واليقين اللذين هما رأسُ الإيمان وكماله نالوا الإمامةَ في الدِّين.

4 ـ رَفْعُ اللهِ مكانتهم:

ومن فوائد وثمرات الإيمان رفع مكانة أهله عند الله عزَّ وجلَّ وعند خلقه قال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة :11] فهم أعلى الخلق درجةً عند الله وعند عباده في الدنيا والآخرة، وإنّما نالوا هذه الرفعة، بإيمانهم الصحيحِ، وعلمهم، ويقينهم، والعلم واليقين من أصولِ الإيمانِ. (الحياة في القرآن الكريم ص 76)
هذه بعضُ الفوائدِ والثمرات من الإيمان الصحيح، وممّا تقدّم يتبيَّنُ لنا أنَّ شجرة الإيمان من أبركِ الأشجارِ وأنفعِها، وأدومها، وأنَّ عروقها وأصولها وقواعدها: الإيمانُ وعلومُه ومعارفُه، وساقُها وأفنانُها: شرائعُ الإسلام، والأعمالُ الصالحةُ، والأخلاقُ الفاضلةُ المؤيَّدةُ والمقرونةُ بالإخلاص لله، والمتابعةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنَّ ثمارها وجناها الدائم المستمر: السمتُ الحسنُ، والهدي الصالح، والخلقُ الجميلُ، واللهجُ بذكر اللهِ وشكره، والثناءُ عليه، والنفعُ لعباد الله بحسب القدرة، نفعُ العلم والنصح، ونفعُ الجاه والبدن، ونفع المال، وجميعُ طرق النفع، وحقيقةُ ذلك كلّه: القيامُ بحقوق الله، وحقوق خَلْقِهِ، وأنَّ الفضلَ في ذلك كلّه لله وحدَه، والمنّة كلُّها له سبحانه: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *} [الحجرات :17] .
وقال أهل الجنة بعد ما دخلوها، وتبوّؤوا منازلهم، معترفين بفضل ربهم العظيم: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا
لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *} [الأعراف :43] فجمعَ في هذه الآية بين الإخبارِ باعترافهم وثنائهم على الله بنعمته وفضله، حيث وصلوا إلى المنازل العالية، وبَيْنَ ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك بمنّة الله عليهم به، وهو العمل الصالح الذي هو الإيمان وأعماله. (شجرة الإيمان ص 94)

إنَّ مِنْ شروطِ التمكين لهذه الأمة تحقيقُ الإيمانِ بكافّة معانيه، وبكافّة أركانه، وممارسة العمل الصالح بكلِّ أنواعه، والحرصُ على كلِّ أنواع الخير وصنوف البِرِّ، وتحقيقُ العبودية الشاملة، ومحاربةُ الشرك بكل أشكاله وأنواعه وخفاياه.
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} [النور :55 ـ 56].
 

ملاحظة هامة: استقى المقال مادته من كتاب: "الإيمان بالله"، للدكتور علي محمد الصلابي، واستفاد المقال أكثر مادته من كتاب: " الحياة في القرآن الكريم دراسة موضوعية"، لأحزمي جزولي.