السؤال: أليس لكل شيء خالق؟ فمن خلق الله تعالى؟ هذا السؤال ليس حرام، وهذا السؤال يتساءله الكثيرون، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن كثيرين سيسألونه، وأرشد إلى طريقة التعامل مع هذا السؤال، لكن ما منشأ هذا السؤال؟ القاعدة عندنا تقول: (إن لكل شيء مسبب، ولكل موجود خالق)، بينما القاعدة الصحيحة هي: (لكل شيء حادث مسبب، ولكل مخلوق خالق)، ومعنى أن لكل شيء حادث مسبب حادث، يعني له بداية، بحيث وجد بعد أن لم يكن موجودا، فكل ما له بداية، لا بد له من مسبب أخرجه من العدم إلى الوجود، أي أحدثه بعد أن لم يكن موجود.

القول ما الذي أنبت النبتة؟ المطر، ما الذي أنزل المطر؟ السحاب، ما الذي كوّن السحاب؟ البخار المتصاعد، من أين جاء هذا البخار؟ من البحار، ومن أوجد البحار؟ الله تعالى، ومن أوجد الله تعالى؟ الجواب: ليس له موجد لأنه السبب الأول، يعني ليس له مسبب، لماذا؟ لأنك لو افترضت أنه أوجده خالق، فستسأل ومن أوجد خالق الخالق؟ وهكذا إلى ما لا بداية، وهذا يؤدي إلى تسلسل الأسباب، ويسمى أيضا (تسلسل الفاعلين)، وهو مستحيل عقلا، لأن نتيجته ألا يحصل خلق أصلا، وهكذا استحالة التسلسل في الأسباب إلى ما لا بداية، فمثلا إذا دخلت بيتا، ورأيت في إحدى الغرف مصباحا معلقا بسلسلة، لكنك لم ترى من أين تبدأ هذه السلسلة، فإنك تجزم بأن لها بداية في السقف وإلا لسقطت وما بقيت معلقة، ولن تتقبل فكرة أن السلسلة قد تكون ممتدة إلى ما لا بداية (إلى السماء مثلا).

لهذا فإن السؤال: (من خلق الخالق؟) سؤال خطأ؛ لأنه يخالف العقل القويم، وذلك لأن العقل السليم والتفكير الصحيح يقتضي أنه إذا كان الكون مخلوقا، فلا بد من وجود خالق غير مخلوق، كما أنه سؤال خطأ؛ لأنه لا بد عقلا من سبب أول، فعندما تقول: من خالق السبب الأول؟ فإنه لم يعد أولا، بل أصبح سببا ثانيا، وقانون السببية هنا يطبق على الأمور الحادثة فقط، والله تعالى بما أنه السبب الأول، فليس حادثا حتى يكون له محدث، بل هو خارج عن إطار المادة التي خلقها وغير محكوم بقوانينها.

مثلا إذا دخلت غرفتك، ورأيت سريرك قد تغير مكانه، فإنك تقول: من غير مكان السرير؟ لأن تغير مكانه أمر حادث، بينما إذا دخلت غرفتك، ولم ترى مكان السرير تغير، فإنك لا تسأل من أبقى السرير مكانه؟ لأن بقاءه مكانه ليس أمرا حادثا حتى يكون له محدث، كما إذا رأيت دمية تحرك بخيوط، وعلمت أن هناك من خلف الستار إنسانا يحركها، فهل من المقبول أن تسأل: ومن يحرك خيوط هذا الإنسان الذي يحرك الدمية؟ هذا وإذا رأيت رغيف خبز، وعلمت أنه لا بد للخبز من خباز، فهل تسأل: ومن خبز الخباز؟ لا طبعا، بل هو سؤال مضحك وخاطئ، لماذا؟ لأنه طبّق تعميما في غير مكانه، وكذلك فالخلق صفة ملازمة للمخلوقين، ولا تعمم على الخالق (الله تعالى).

وهكذا فإن سؤال: (من خلق الله تعالى؟) سؤال خاطئ مثل سؤال: ما طول الضلع الرابع في المثلث؟، وهو كأنك تقول: (من خلق الذي لا خالق له؟) أو (من الذي سبق الذي لا شيء قبله؟)، فالجواب: الخالق ليس له خالق؛ لأنه لو كان له خالق، لكان مخلوقا لا خالقا، وهذا السؤال ليس محرجا ولا خافت الشريعة من أن يخطر ببال الناس، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم سلفا بأنه سيسأل، وأرشدنا إلى التعامل معه، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ إذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)، ولينته هنا تعني ينتهي عن الاسترسال والاستمرار مع هذه السلسلة من التساؤلات بعد هذا الحد، وهل هذا حجر على العقل وتعطيل للعقل؟ أبدا، بل هو الموقف العقلي الصحيح، لماذا؟ لأن هذا السؤال (من خلق ربك؟) هو سؤال يخالف البديهيات العقلية، والبديهيات العقلية هي التي ينطلق منها الإنسان في الاستدلال، لا أنه يطلب لها أدلة عليها حتى يستمر في سلسلة البراهين والتعليلات.

والذي يسأل هذا السؤال يجب عليه أن يقول: ما الذي أفعله؟! أنا أخالف العلوم الفطرية الضرورية، إذن فلأقف عند هذا الحد وإلا فإني أهدر عقلي، لذلك ففي الحديث الآخر، وجّه النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيه هذا السؤال إلى أن يقول: (الله أحد، الله الصمد لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد)، أي أنا آمنت بأن الله تعالى ليس حادثا كالحوادث، لم يولد لتكون له بداية أصلا، وليس أحد مكافئا له، فهو تعالى بائن عن خلقه ليس مخلوقا مثلهم ليكون له خالق.

لكن إذا كان هذا السؤال يهجم عليك، وأنت تعلم أنه غير صحيح، فهو وسواس تتعامل معه كما تتعامل مع وسواس الطهارة والوضوء والصلاة، ومع أنها كلها تكون أمورا حسية يقينية لا تحتاج برهنة ولا استدلالا، ومع ذلك فأنت تشك فيها، ما الحل في هذه الحالة؟ الحل هو أن تستعيذ بالله تعالى من الشيطان الذي يوسوس لك، وتنتهي عن التفكير في الشكوك التي يثيرها، لأنه يخالف ضرورات العقل ومنطقه الأصيل المبني عليه.

سؤال (من خلق الله؟) يسأله الملحدون أيضا، اعتراضا على إيماننا بالله تعالى، لأنهم لا يتقبلون فكرة أن يكون الله تعالى أزليا بلا بداية، والجواب للملحد الذي يعترض عليك بهذا الاعتراض، قل له: هل تؤمن بأن الكون له بداية؟ فإن قال: نعم، قل له: فلا بد لهذا الكون الحادث من محدث بالبديهة العقلية الواضحة، وإن قال: لا، بل هو أزلي، فقل له: تعترض على أزلية الله تعالى، وتقول بأزلية الكون؟! بحيث هو هنا لا يعترض على مبدأ الأزلية بحد ذاته، لكنه يعترض على أزلية خالق أوجد الكون بعلم، وإرادة، وحكمة وقدرة تظهر آثارها في كل شيء، ويقول بأزلية كون (مخلوق)، هكذا بلا موجد.