من ملامح العدل وأبرز سماته اليسر ورفع الحرج، وقد تقرر أن الدين هو دين الوسط فلا غلو ولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط، واليسر ورفع الحرج مرتبة عالية بين الإفراط والتفريط وبين التشدد والتنطع، وبين الإهمال والتضييع. يقول الدكتور صالح بن حميد: إن رفع الحرج والسماحة والسهولة راجع إلى الاعتدال والوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فالتنطع والتشديد حرج من جانب عسر التكاليف، والإفراط والتقصير حرج فيما يؤدي إليه من تعطيل المصالح، وعدم تحقيق مصالح الشرع. [رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، صالح بن حميد، ص: 13].

فالتوسط هو منبع الكمالات، والتخفيف والسماحة ورفع الحرج على الحقيقة هو في سلوك طريق الوسط والعدل.

قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[ البقرة 185].

وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا *}[ النساء 28].

وقال تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى *}[ الأعلى 8].

هذه بعض الآيات التي تفيد التيسير على هذه الأمة، قال القاسمي في تفسير اية البقرة: قال الشعبي: إذا اختلف عليك أمران، فإن أيسرهما أقربهما إلىالحق لهذه الأمة، ومن أقوى الأدلة في الدلالة على رفع الحرج [تفسير القاسمي، 3/427].

قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[ الحج 78].

قال الطبري في تفسير هذه الاية: جعل الدين واسعاً ولم يجعله ضيقاً. قال ابن كثير: أي: ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً[تفسير الطبري، 17/207].

وقال سبحانه: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *}[ المائدة 6].

وفي سورة التوبة: َّ {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} 91].

وقال في سورة الأحزاب: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}[ الأحزاب 38].

وفي سورة النور: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ} {حَرَجٌ}[النور: 61].

وفي هذه الآيات دلالة ظاهرة على رفع الحرج عن هذه الأمة، وأن الله لم يجعل في التشريع حرجاً، وبعض هذه الآيات وإن كانت خاصة في أحكام معينة، ولكننا نجد التعليل عاماً، فكأنما التخفيف ورفع الحرج في هذه الأحكام والفروض بإعادة الشيء إلى أصله، وهو رفع الحرج عن هذه الأمة، فكل شيء يؤدي إلى الحرج لسبب خاص أو عام فهو معفوّ عنه، رجوعاً إلى الأصل والقاعدة. [الوسطية في ضوء القرآن الكريم، د.ناصر العمري، ص 106-107]

ومن أدلة عدم التكليف بما يضاد الوسع والطاقة:

قال سبحانه في سورة البقرة: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وفي الآية نفسها: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}[ البقرة 286]. وقال اللهتعالى كما في الحديث الصحيح: «قد فَعَلنا». [أعلام الموقعين، 3/14].

وكذلك قوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [ البقرة286].

وقد بيّن ابن القيم: أن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة، وأصدقها.[أعلام الموقعين، 3/14]. 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: "العدالة من منظور إسلامي"، للدكتور علي محمد الصلابي.