ما يسمى نظرية التطور لداروين تقول بأن الكائنات الحية جميعها جاءت بمجموع الصدف العشوائية، ودون قصد ولا تصميم مسبق، ولإقناع الناس والعوام بأركانها الخرافية، والتي تناقض العقل والعلم معا، تحالفت مع طرق استدلال باطلة ومتحايلة، مع ذكر أكاذيب وعلم زائف ثبت خطئه، وذلك مثل حفرية هنا أو عضو بلا وظيفة هناك حسب ما يزعمون، وهذا كله كذب ودجل وتدليس وتدنيس للحقائق والعلم التجريبي المثبت الصادق والصحيح.

أهم أساليب أتباع وأنصار نظرية التطور هو الخلط بين الحقائق والخرافة، وحتى يمر هذا الخلط على الناس، يحتاج الأمر إلى شيء من الإبهار؛ والإبهار المقصود هنا هو الإنبهار برجالات نظرية التطور -أي العلماء التطوريين- كعالم كتبَ في هذه الظاهرة كتبًا متعددة، و عالم بحث في هذه النظرية سنوات طويلة، و عالم حاز على جائزة (Nobel)، و عالم حاز على لقب (Sir) في العلوم وغيرها الكثير، ومحاولة الإثبات بأن فلانا وفلانا من العلماء يقول بالتطور تسمى في علم المغالطات المنطقية: (مغالطة الاحتكام إلى سلطة).

و(مغالطة الاحتكام إلى سلطة) تعني الاحتكام إلى شخصيات مشهورة في المجال، وهناك مغالطة منطقية أخرى يتم استخدامها بكثرة أيضا، وهي الاحتكام إلى سلطة حشد أو أعداد من المقرين بنظرية التطور، وإعطاء نسب مئوية لهم من بين علماء الطبيعة، وهذا يسمى: (مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية).

لهذا وعندما تسمع كل ما سبق من هذه العبارات وغيرها، فهي كأنهم يقولون لك: هم يعرفون أكثر منك، أذكياء يفهمون أكثر منك، جهز نفسك لتسمع كلاما غريبا، لكن عليك أن تقتنع به؛ لأن القائل به هم هؤلاء العظماء!! طبعا إذا خالف كلامهم عقلك، فلا تتهم صدقهم أو صحة استنتاجاتهم، بل اتهم عقلك ولا تحاول حتى أن تتأكد من التجارب التي منها وصلوا إلى استنتاجاتهم؛ لأنك غبي ولن تفهم، وهذه بالتأكيد جريمة ولو حتى مارستها مع من هو أعلم منك بالدين!!!

المطلوب منا اتباع العلماء، لكن ما تكلموا بعلم. ولا يكتسبون يوما قدسية عدم تصحيح كلامهم دون هذا الشرط؛ حتى أن الله عز وجل ذمّ أهل الكتاب، وذلك لأنهم اتبعوا الأحبار والرهبان، والذين كانوا أعلم بالدين ولا شك، لكنهم لما أحلّوا الحرام وحرّموا الحلال وخالفوا المسلّمات المعلومة بالضرورة الواضحة من نصوص الوحي لكل عاقل، كان من الجريمة أن يؤجر لهم عامة الناس عقولهم ويتبعوهم على باطلهم، حيث قال الله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)، فكما كان رجال الكنيسة يقولون للناس: لا تقرؤوا الكتاب المقدس وحدكم، لأنكم لن تفهموه وستضلون، اليوم جاء كهنة العلم الزائف ليقولوا للناس: لا تقرؤوا الكون وحدكم؛ لأنكم لن تفهموه وستضلون، وهنا ظن الناس أنفسهم حرروا عقولهم، واتبعوا علماء الطبيعة الذين هم أعلم بحقائق علومهم.

الخلط الدائم الذي يحدث عند مناقشة نظرية التطور، يكون بين المشاهدات والفرضيات، وبين الحقائق والكذب (الخرافة)، وذلك ليبدو وكأن الحقائق المذكورة ونظرية التطور جزءان لا يتجزءان من بعضهما البعض، ولا بد من أخذهما سوية، فقد نقول مثلا أن شخصا كلامه علمي ومنطقي، ويتكلم بتجارب وبملاحظات دقيقة، بينما حقيقة الأمر أنه حشر أو أدخل كذبة أو سوء تفسير، ووظف مشاهداته وأفكاره في الاتجاه الخاطئ، بحيث ممكن أن تناقش أحدهم فيقول لك: ماذا تعرف عن طائر البرقش؟ ماذا تعرف عن سمك الجابي؟ ماذا تعرف عن السحالي الإيطالية؟ ماذا تعرف عن مقاومة البكتيريا للمضادات؟ وماذا تعرف عن البكتيريا الهاضمة للسيترات؟ تسأله ما لها هذه الأمثلة؟ فيقول لك: هذه كلها حصل لها (تطور صغروي - micro evolution) نراه أمام أعيننا، وذلك بمعنى طفرات عشوائية في المادة الوراثية أنتجت بالصدفة صفات نافعة للبرقش، سمك الجابي، السحالي والبكتيريا، فأصبحت جميعها أكثر قدرة على التكيف في بيئة ما، كما وحصل لها انتخاب طبيعي وهذا كله في زمن محدود، وبالتالي نستنتج أنه ومع مئات ملايين السنين يمكن أن تكون البكتيريا قد تطورت إلى كل أنواع الكائنات الحية بالطفرات العشوائية أيضا، بمعنى أنه إذا أثبتنا حدوث (تطور صغروي - micro evolution) في بضع سنين، فيمكننا تصور أن يحدث الـ (تطور كبروي - macro evolution)، والذي ينتج عنه أنواع مختلفة من الكائنات الحية في مئات ملايين السنين.

هنا سوف يستفيض هذا الشخص في شرح التغيرات التي حصلت في تراكيب هذه الكائنات المذكورة، ثم يقول لك: لا تعرف عن هذه الأشياء وتناقش في التطور يا جاهل!! حتى تحس أنك تتضاءل أمام هذا العالم الفذ الجهبذ الذي يعرف أكثر منك بكثير، وأنه بنى قناعاته هذه على علم ودراسة مستفيضة، ولكن يا عزيزي عند التفحص والبحث العلمي الصحيح تُفاجأ أنه وببساطة يكذب أو مكذوب عليه (حافظ وليس فاهم)، وأن كل ما حشده من أمثلة ليوهمك أنها أمثلة على طفرات عشوائية وافقت البيئة بالصدفة، إنما هي في الحقيقة وحسب الأبحاث العلمية أمثلة على التكيف بآليات دقيقة التصميم لا مكان فيها للعشوائية أبدا؛ بحيث تجد في هذه الكائنات وفي مادتها الوراثية وطريقة قراءتها، القدرة على تغيير خصائصها لتتأقلم مع التغيرات البيئية بطريقة دالة على أنها وبيئتها من تصميم، عليم، قدير، حكيم وقيوم على خلقه، بينما متّبع النظرية الداروينية يدّعي أنها طفرات عشوائية صدفية وبلا قصد، فهذا الشخص بهرك بكثرة الأمثلة والطرح العلمي لها، لكنه كذب في الاستنتاجات ومحل الشاهد تحديدا، وحقيقة الأمر أن كل ما ذكره من أمثلة حجة لك ومعك لا عليك.

كما وهناك خطأ كبير يقع فيه بعض المعارضين لنظرية التطور لداروين، وذلك بأنهم يقولون: نحن لا ننكر التطور الصغروي، لكننا ننكر التطور الكبروي الذي يحول كائنا إلى نوع آخر من الكائنات، فالبكتيريا تطورت لكنها بقيت بكتيريا، وعصافير داروين تطورت لكنها بقيت عصافير، لكن لا! ، التطور بمفهومهم هو تغيرات عشوائية وانتخاب طبيعي ترقيعي أعمى، هكذا يعرفونه وهذه هي دلالة المصطلح عند أصحاب النظرية، وعندما توافقهم على ما يسمونه بالتطور الصغروي، فأنت تقر ّبأن العشوائية والصدفة تكسب الكائنات الحية خصائص نافعة، وهو أمر باطل عقلا وعلما، وكل الأمثلة التي يوردونها هي على تكيفات بديعة دقيقة لا مكان فيها للعشوائية أبدا، فليست لا ماكرو، ولا مايكرو ولا حتى نانو تطور.

أنصار نظرية التطور لداروين يراهنون كثيرا على التلاعب بالتسميات والمسميات، ويريدون أن يبدو متحرري الفكر، واسعي الخيال العلمي وعميقي النظرة حين يقولون: التطور الصغروي يحصل في سنين، فلماذا لا يحصل الكبروي في مئات ملايين السنين؟! وذلك لتبدو أنت يا من ينكر قولهم سطحيا وضيق الأفق، حيث أن تسمية التكيفات بالتطور الصغروي هو في الواقع كذب وقلب للحقائق؛ فالتكيفات حاصلة وحق بينما التطور الصغروي وهم وكذب، كما أن هذه التكيفات تعني الحكمة والقصد والتصميم المقدّر، بينما التطور يعني العشوائية والصدفية، فتسمية التكيفات بالتطور الصغروي هو كتسمية العلم بالجهل والحكمة بالعبثية.

ما سبق ذكره سابقا هو ما نقصده بخلط الحقائق بالخرافة، وخلط المشاهدات بالنظرية، فالخلط بين الحق والباطل طريقة قديمة أنكرها الله تعالى على أهل الكتاب، حيث قال الله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (ال عمران: 71)، وهكذا هؤلاء يخلطون الحقائق بباطل النظرية ويكتمون الحقائق التي تهدمها، بالإضافة إلى ذلك يتم خلط المشاهدات الكونية الدالة على الله تعالى وإضافتها إلى الشهوات والغرائز الجنسية، بحيث لا تكاد ترى فيلما وثائقيا إلا ويحشر فيه مشاهد تستدعي الغرائز وتنحرف بالعقل، وكأنه من وحي الشيطان إلى أوليائه حتى لا يتسرب الإيمان إلى القلوب عند مشاهدة بدائع الخلق، بل تطغى الشهوة وتستحكم الغفلة باستحضار هذه المشاهد، ولا يتحرك اللسان والقلب بذكر الله تعالى وتسبيحه، حيث يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (ال عمران: 191). 

يمكن أن نعرض أي شيء في هذا الكون، ثم يتفكر فيه الإنسان صاحب العقل السليم والقلب السليم، كما وسيكتفي بذلك دليلا على حقيقة الخلق الإلهي عن قصد وإرادة، وهذه الحقيقة الكونية العظمى الواضحة البديهية، أصبحت محل شك عند البعض أو الكثيرين بالتضليل والتجهيل الذي مارسه أتباع خرافة نظرية التطور لداروين باسم العلم حتى يعموا العقل عنها، وأن الكائنات جاءت بمجموع الصدف العشوائية، دون قصد، ولا علم ولا إرادة.

هذا هو أسلوب الخلط بين الحقيقة والخرافة، بحيث تستمع لكلام علمي ممتع تحس أنه أضاف لحصيلتك المعرفية الكثير بالفعل، فتنبهر، ثم بلمسة سحرية يوظف هذا الكلام لترويج النظرية، لهذا يجب أن نعود أنفسنا وعقولنا على أن نفرز وندقق دائما بين المعلومة والاستنتاج، أي هذا الذي تحدثني عنه يا من تخاطبني، هل هو معلومة واقعية أم استنتاج من عندك؟ إذا معلومة أعطني الدليل عليها، وإن كان استنتاجا فعلي أن أتحقق من صحة استنتاجك؛ لأن صحة المعلومة لا تعني بالضرورة صحة الاستنتاج، فكن يا عزيزي دائما ناقدا عميقا وفرّق بين الحقيقة والخرافة.

كما أن الانتفاع بالعلم وحقائقه يحتاج إلى سلامة العقل والقلب، وحسن القصد، وتوفيق وهداية، فمثلما هناك أناس يحفظون القرآن والسنة وأقوال العلماء؛ ولا ينتفعون بها، بل ويوظفون علومهم في تضليل الناس، فهناك علماء طبيعة لا ينتفعون بعلومهم، بل ويوظفونها في تضليل الناس، فنعم، لدى هؤلاء علم كبير، ومع ذلك يحجبون أكبر الحقائق وأوضحها، يتكلمون بمهارة مبهرة عن الحقائق، ثم لما يأتون للاستنتاج يخالفون بديهيات العقل، ويقولون هذا كله ليس دليلا على أن خلق الكائنات عن قصد وإرادة، بل مسألة تحتمل الخلاف، حيث قال الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية:23)، ولهذا مهما كان السبب فلا تؤجر عقلك لهم.

لا تؤجر عقلك لـ (ريتشارد دوكينز - Richard Dawkins)، ولا لـ (مايكل دانتون - Michael Denton) ولا لأي شخص لأنه أعلم أو أبحاثه أكثر؛ ويجب أن نرد إلى العقل اعتباره ليحكم بعيدا عن التضليل، وذلك لأننا نؤمن بعقل خلقه الله تعالى عن علم وإتقان، لنميز به الحقائق، لا بعقل جاءت به تراكمات الصدف العشوائية، فلا ضمانة لأن يعرف حقا أو يهتدي سبيلا، ونحن سنرى ما يدل عليه العقل أولا، ثم نرى الأبحاث والمشاهدات المؤيدة والمعارضة لما يدل عليه العقل، ونحلل أين مكمن الخلل، كما لن نكون انتقائيين؛ ننتقي من الأبحاث ما يخدم عقيدتنا، ونتعامى عما يخالفها، ونمجد من يقول بما نريد، ونحط من قدر من يخالفنا، فهذه طريقة غير منهجية يتقنها أنصار نظرية التطور، وسنتركها لهم، أما نحن فسنرتكز على أدلتنا ونذكر أقوال علماء الطبيعة، وذلك لمزيد من الفهم والاقتناع.