الكائنات الحية على هذه الأرض حسب تصور تشالز داروين ونظريته، هي أنها تطورت من أصل مشترك أو أصول قليلة بتدرج بطيء ومستمر، وبالتالي يفترض أن نرى ذلك التدرج على أرض الواقع (الأحافير – Fossils)، لكننا في الحقيقة نجد بين الأحافير المكتشفة، تمايزا كبيرا وفجوات هائلة وحدودا عازلة، فمثلا الكائنات الانتقالية (المزعومة) بين الزواحف والطيور، لا وجود لها على أرض الواقع، وقد أقرّ داروين بأن هذا يناقض خيالاته، لكنه عوّض عن ذلك بتخيل آخر يقول بأن هذا التدرج والكائنات الانتقالية كانت موجودة في الماضي، وبالتالي فإنه يجب أن نجد أحافيرها وأجسامها المتحجرة تحت الأرض، وطبعا ليس هناك أي مبرر لهذا الانتقال من سطح الأرض إلى ما تحتها، لكن تعالوا ننزل مع داروين إلى ما تحت الأرض.

تخيل داروين أننا سنجد في طبقات الأرض العميقة أحافير لكائنات بدائية بسيطة التركيب، وكلما صعدنا في طبقات الأرض إلى الأعلى سنجد أحافير لكائنات منقرضة أعقد تركيبا، تمثل المراحل الانتقالية، وذلك إلى أن نجد في الطبقات الأعلى والأعلى أحافير لكائنات موجودة بيننا على أرض الواقع، كما وقال داروين في خياله هذا بأنه يجب أن يكون هناك عدد لا حصر له من الكائنات الانتقالية المنقرضة مدفونة في طبقات الأرض، وذلك بمعنى أن أحفورة الكائن البسيط الذي بدأت به الحياة، سنجده في الطبقات العميقة جدا، ثم سنجد مثلا أحفورة كائن متطور كالديناصور، والذي انقرض قديما في طبقات الأرض العميقة، وبعدها سنجد كائنات انتقالية لا حصر لها بين الديناصور والطيور، وذلك إلى أن نرى الكائنات التي بيننا اليوم في طبقات أعلى وهكذا.

طبعا كانت هذه كلها أمنيات وأحلام داروين، وذلك حتى يدّعي أن نظريته صحيحة، لكن ماذا وجد داروين في الحقيقة؟! وجد كل شيء يخيب آماله وأحلامه، حيث وجد عدد كبير من الكائنات المعقدة للغاية، ظهرت فجأة فيما يعرف بطبقة (العهد الكامبري) العميقة في الأرض، حتى تم تسميت هذا الظهور المفاجئ بـ (الانفجار الكامبري - Cambrian Explosion)، وهذه الكائنات لم يظهر أصل مشترك لها أبسط منها كما حلم داروين، ولم تنقرض ولا تطورت إلى كائنات أعقد، بل هي هي نفسها كما هي إلى يومنا هذا، وحتى ندرك مدى التعقيد في كائنات العهد الكامبري، فيكفينا مثلا أن نتأمل عين متحجرات كائن (ترايلبايوت – Trilobite)، المكونة من مئات العيون والعوينات الصغيرة المعقدة جدا، والتي تعمل بشكل متكامل وبنفس الشكل من آلاف السنين إلى يومنا هذا.

الكائنات الانتقالية حسب داروين يجب أن تكون لا حصر لها كما تحتم نظريته، لكن لا وجود لها حتى يومنا هذا، وبالتالي فكل الأدلة حتى الآن ضد داروين، لكن هل جهل داروين بذلك؟ لا، لم يجهله، ولعل البعض يظن أن ما ذكر من اكتشافات جاءت بعد داروين، والحق أنها من أيامه، وقد تكلم باستفاضة هو نفسه عن كائنات العهد الكامبري، وتساءل أيضا عن غياب الكائنات الانتقالية قائلا: (بما أنه حسب هذه النظرية، فإنه لابد أن تكون قد وجدت في الماضي أشكال لا حصر لها من الكائنات الانتقالية، فلماذا لا نجدها مدفونة بأعداد لا حصر لها في طبقات الأرض؟).

لكن لابد للنظرية أن تستمر وبأي شكل كان، وهكذا عنون داروين اعترافاته هذه في كتابه بعنوان: (On the imperfection of the fossil record)، أي عدم اكتمال السجل الأحفوري، عدم اكتمال؟! أي لو اكتشفنا أية حفرية بعد هذا؟! فإن العقل والمنطق يقول لنا أن علينا تفسيرها حسب العلم المحكم الواضح الذي تبينه لنا، لكن داروين يقول لمن بعده، ابحثوا عن أي شيء يحتمل تفسيرات متعددة لتضربوا به هذه الدلائل المحكمة الواضحة، وبالفعل انطلق أنصار وجنود داروين الأوفياء من بعده يبحثون عن الكائنات الانتقالية المزعومة، كما أن نظرية أستاذهم تحتم عددا لا حصر له من الكائنات الانتقالية، فراحوا يبحثون ويبحثون، ولكنهم كانوا بذلك ينتقلوا من قصة فشل إلى أخرى، وكلما ادّعوا أنهم وجدوا كائنا انتقاليا، جاءت أبحاث تبين أن هذا كان تزييفا أو كذبا أو سوء تفسير، وذلك كقصة الديناصور الطائر (أركيورابتور – Archaeoraptor)، و(أركيوبتركس – Archaeopteryx)، وسمك السليكان، ثم التكتاليك، وجمجمة إنسان (بلداون – Pilldown)، وعظام إنسان جاوة، ثم أحفورة (لوسي – Lucy)، وصديقتها أحفورة (إيدا - Ida)، وبعدها أحفورة (أردي – (Ardipitheus وغيرها الكثير، وكلها ظهر زيفها وغشها المتعمد أو تحريف دلالتها الواحدة تلو الأخرى.

هذا ومن قصص الفشل الكوميدية في مسلسل نظرية داروين، أنه في عام (1922) وجد عشاق وأنصار النظرية (ضرسا) في نبراسكا بالولايات المتحدة الأمريكية، نعم، ضرس، فاعتبروه دليلا مهما على التطور، ورسموا عليه شبه إنسان، وقالوا: إنه عاش قبل (6) ملايين سنة وأعطوه اسما علميا، كما ونشرت مجلة (Science) المعروفة، مقالا علميا محكما عن هذا الاكتشاف العظيم، لكن بعد (5) سنوات تبين أن هذا السن هو (سن خنزير)، وعادت المجلة نفسها فنشرت نفيا لما جاء في مقالها السابق، ثم عام (1979)، عثر عشاق النظرية على عظمة، وقالوا: وجدنا الدليل؛ إنها ترقوة شبه إنسان، عاش في الزمان البعيد، ثم تبين أنها جزء من (ضلع دولفين) كما نشرت مجلة (New Scientist) بعد (4) سنوات، ثم عام (1984) وجد ثلاثة من العلماء جزءا من جمجمة، وطاروا بها فرحا، ها هو الدليل أخيرا، ورسموا على هذا الجزء من الجمجمة شبه إنسان، وقالوا: إنه مات وهو في (17) من عمره، وقدّروا أنه عاش قبل (900) ألف إلى (1.6) مليون سنة، وسموه (إنسان أورس - Orce Man)، وحددوا له مكانا في سلم التطور المزعوم، وسمي هذا الاكتشاف (اكتشاف القرن)!! وأقيم له مؤتمر صحفي حضره كبار الشخصيات وعمّت الأفراح، لكن تبين بعد ذلك أنها جمجمة حمار صغير، وأصبح هؤلاء سخرية للعالم كله وخاصة البرامج والمجلات الساخرة.