يمثل العيدُ لكل مسلم يوماً فارقاً، وفرحة عارمة عابرة لنفسه ومنها إلى جواره، العيدُ يوم ليس كأي يوم؛ إنما هو سعادة  تجوب  كل البيوت، والزقاق تنشد أهازيج يترنّمُ بها الصغار كما الكبار لا يُطيق المرؤ الضجيج ولا الزحمة، ولا تجده متسامحا أكثر مما في  يوم العيد.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه"  فيوم العيد بالنسبة لكل مسلم  يوم سعادة ومسرة، وجب عليه أن يحتفل لما وفقه الله له من خيرات، أعظمها أن بلغه رمضان بصحة وعافية بين الأهل والأحباب، وأن وفّقه لصيامه وقيامه، وصالح أعماله أفلا يكون عبدا شكورا ويعبد الله على كل هذه النعم بالغبطة، والسرور،  فالفرحة أيضا شكر وعبادة لله كما الطاعة عبادة، والبسمة عبادة "تبسمك في وجه أخيك صدقة" وإدخال السرور على الناس عبادة، وكل تجليات السعادة للنفس وللغير عبادة "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" فكيف هي حال الفرحة العارمة بأن وفقك الله لإكمال فصل عبادة خالصة لوجهه الكريم يكافئ عليه كيف يشاء. 

ينقضي رمضان فماذا بعد؟

قبل أن ينقضي رمضان بقليل تبدأ معالم العيد تتراءى شيئا فشيئا، وأولها زكاة الفطر يودعنا ويترك لنا ما يُطهرنا، وينمي أموالنا، ويزكيها، ويثلج صدور إخوة لنا؛ كأنها إشارة تربوية تريد منا أن نعي كيف يكون حالنا بعد رحيل رمضان؟ كيف تكون فرحة العيد؟، وكيف يجب أن يسير العيد؟، وكيف يجب أن نستقبل إحدى عشر شهرا جديدا؟.

أول مانستشفّه من زكاة الفطر سُنّةٌ كونية نادرا ما يسلم منها أيّ مجتمع ألا وهي وجود المعدمين، وأهل الحاجة بين أفراد المجتمع، والأمة، والإنسانية، وبالتالي وجب أن نُفعل فرحةَ العيدِ إزاءهم بأن لا ننساهم، وندرك أنهم أصلٌ أصيل من جسد واحد، من نفخة واحدة، من  تربة واحدة، فرمضان قبل أن يودعنا ترك لنا بريد نصه "إن بيننا ضعفاء الحياة من كل الأجناس، والالتفات إليهم واجب، والسؤال عنهم ضرورة، ومد يد العون لهم أمر لامناص منه يعتدل ميزان الحياة"، فزكاة الفطر ليست مجرد قوت يوم إن كانت دريهماتها المعدودة أصلا تكفي لقوت يوم؛ بل هي أعمق من ذلك حقا؛ إنما هي  فلسفة  لنبع الحياة، لتظافر الجهود من أجل النهوض.

زكاة الفطر ماهي إلا فعل إزاحة الستار عن فرحة الأصل فيها الاستدامة أن تدوم افراحنا وتندر أتراحنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، هي رسالة  لنا فحواها " بأن نبدأ 11 عشر شهرا بالتّشمير عن سواعدنا، فبدهيَّا من يمكنه أن يتصدق والقدرة تمنعه؟ ومن أين تأتي القدرة على ذلك؟ سوى من السير في الأرض عملا ومثابرة، واجتهادا؛ إذن يخبرنا بريد رمضان  بضرورة الحركة في سبيل تحصيل عمل ينعكس علينا بوافر الخيرات والبركات، ومنه نكسوا عورانا ونطعم جوعانا، ونعمر أوطاننا.

أن يستقبلنا بعد شهر الصيام، والطاعات عيدٌ؛ لدليل على أن الفرحة فلسفة متجذرة، مُلزَمون باستحضارها في كل الأوقات والأماكن يجب أن تتوفر في شؤون حياتنا، وتحملها بنات أفكارنا، وأن نعمل على بثها في مجتمعاتنا بكل الطرق، وأن تحوزها تنظيراتنا، ومناهجنا هي في حقيقة الأمر دعوة لنبذ الكمد والكآبة، وإحلال الفرح والسرور، وعموم السعادة.

رحل رمضانُ، وعادَ العيدُ فما الجديد؟  

اعتدنا كلما قرّر رمضان زيارتنا أو توديعنا أن تحصل بلبلة فقهية حول رؤية الهلال، أو حول نوعية الزكاة  كوجوب إخراجها من قوت البلد أم من دراهم أهل البلد. اختلاف أقطارنا على رؤية الهلال، وغيره  لا ضير في ذلك؛ المشكل على لسان المتنبي "عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد" هو أن تلازمنا هذه البلبلة أن تتطاير شهبها  على بقية المجالات، وأن يستمر استغلال خفافيش الظلام من كل النحل ذلك  فيصبوا السم في العسل، ويمرّروا ما يجعل أفراد الأمة شذر مذر لا أرض، ولا فكر  يجمعهم؛  إنما الشتات يدور بهم حيث فعل بأمم من قبلهم.

أن يعودنا العيد ولا تجديد في حالتنا  كما كنا وأكثر، بنفس المعاناة، بنفس الأفكار، بنفس الطبقات، بنفس الديكتاتوريات، بنفس التيه بنفس التخبط، بنفس التخلف، أن يأتي العيد ونصل الأرحام وصلا شكليّا جافا متجاوزا لما في القلوب،  الشحناء والبغضاء هي هي، والاحتراب بيننا مازال متربعا على عرش التقويض الهادم للاجتماع.

أن يطرق العيد أبوابنا من جديد فيجد القوة في مجتمعاتنا توزع بشكل أبعد مايكون من العدل، المحسوبية، وعلى قول بعض المجتمعات:" فلانة تبلغك السلام (الرشوة)"، والغش، والتزوير، وإسناد الأمر إلى غير أهله يعني لاجديد يذكر فبأي حال جئتنا ياعيدُ؟ 

أن يأتي العيد وأقصانا يئن من قسوة المحتل ونحن نمرح ونفرح وكأن الأمر لايعنينا في شيء لا من قريب ولا من بعيد، بل منا أنذال خانوا الأمانة، والنخوة  ورأوا التطبيع حل في حين أنه لايعني إلا رزانة جشع المحتل واحتلال مزيدا من المدن، وطغاة أراضينا  الكثر مازال سكينهم لم يجف بعدُ من دم الأحرار ممن صدع صوته مناديا بالحرية والسلام ورقي الوطن ماذا سنقول لك، وماذا سيحدث من بعدك ياعيد؟.

أن يقبل علينا العيد من جديد  وبين إنساننا وقيم الحضارة  سور رزين شوارعنا كما كانت من قلة التنظيم تشكو، وبعض منا  قد أصيب بالحول فاختار ألوان النفايات زينة لشوارعه بدل ألوان الخضرة، والطبيعة الزاهرة، وهوانا بالنتانة  قد تعفن، وقليلٌ من يعرف أن للطريق حق، وبالتالي نظافته من هذا الحق. 

أن يودعنا رمضان بموضوع زكاة الفطر وأن نُودعه ونستقبل 11 عشر شهرا بعيد لدليل على أن للمسلمين ممر واحد نحو العبور آلا وهو العمل والجد أن يعمل المسلم بكل ما أوتيّ من قوة وبلا كلل ولا سأم ما يعني أن يرتقي بنفسه، وذويه ومن أستصعب عليه أمره من أفراد أمته، ما يعني أنه سيساهم في رسم البسمة على غيره، وستكون له يد في وحدة وتماسك مجتمعه، وبنائه.

أن نودعه ونستقبل بقية الشهور بعيدٍ لا يعني إلا أن السعادة فلسفة قائمة بذاتها بين معانينا الجليلة وجب منا أن نُحييها من جديد ونعيش وفق نواميسها، ونستحضرها في كل أوقاتنا ومناسباتنا، وفي مستقبل الأيام على كل واحد منا حسب قدرته، ومجاله، ومكانته أن يعمل لئلا يطرق أبوابنا العيد ونحن كما نحن بنفس المآسي والجراح، والواقع الأليم أن نعمل ليوم عيد بحق.