لقد أظلنا زمان قلت فيه القدوات العاملة الصالحة، فتيمم كثيرون قبلة مؤثرين افتراضيين من عالم الوهم، يتابعون خصوصيات حياتهم ويتحسرون على ما يرون من سراب متعهم ولهوهم. وغفل القوم عن قدوة لم تعلم لها نقيصة، قدوة اختارها الله خاتمة لرسالاته، جمعت صفات الكمال البشري، وشهد بذلك البعيد قبل القريب، والعدو قبل الصديق، وكفى بالله شهيد

الرسول القدوة

إن الحال يدل على أن الكثير يتكلم ولكن قليل من يعمل، وصار لسان حال الناس نريد أعمالا لا أقوالا. ولئن كان الله عز وجل أنزل إلينا كتابا لا يسلك الطريق الأقوم المستقيم إلا بهداياته، فقد أرسل إلينا رسولا مبينا لتلك الهدايات بأقواله وأفعاله. فكانت حياته صلى الله عليه وسلم ملخص رسالة الإسلام وكان هو: النموذج الأكمل للعبد الذي رضي الله عنه، فعاش حياة طيبة في الدنيا وفاز بجنة الخلد التي وعد بها في الآخرة.
وقد استحق نموذج الكمال البشري هذا أن ينبري له علماء أجلاء فيعتنوا به، دراسة وتأليفا وتأصيلا ليكون للعالمين أسوة، ولا يكون للناس على الله حجة أنه لم يجعل لهم قدوة. فكان نتاج جهدهم أن أسسوا علم السيرة النبوية.

حقيقة السيرة

والسيرة النبوية ليست مجرد قصص تحكى، ولا أحداث تاريخية تروى، بل هي حياة لأكمل البشر صلى الله عليه وسلم، يرى فيها كل من عقل آثارا وعلامات، اتباعها منجى واقتفاؤها هدى، سواء كان ذكرا او أنثى، شابا أو كهلا، في أي زمان من أزمان الدنيا.
ولتعرف قدر هذه السيرة النبوية تأمل قولة ابن حزم الأندلسي: "إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، لمن تدبرها، تقتضي تصديقه ضرورةً، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى."  
إذا فهذه معجزة بين يديك، ليس بينك وبين الاغتراف من معينها إلا أن تحرص على قراءتها وتسترشد بمواقف صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام، سواء فيما يخص أمر دينك أو دنياك.

هو بَشر رسول

وها هنا شبهة كثيرا ما تتردد على الألسنة بخصوص الاقتداء والتأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام في مواقفه وأفعاله، وهي: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم فكيف لنا أن نكون مثله ونحن البشر المخطئون المذنبون الضعفاء. وكشف هذه الشبهة بجزء آية وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110]، فمحمد الرسول عليه السلام بشر مسدد بالوحي، وبشريته حجة على كافة البشر، وربنا يقول: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: 95]. فهو سبحانه يرسل الرسول من جنس المرسل إليهم لأن الجنس إلى الجنس أميل ، وهو على اقتفاء أثره والاقتداء به أقدر.
نعم النظر إلى أفعاله صلى الله عليه وسلم ومواقفه يحتاج فهما وفقها، لتنزيل الفعل مقامه، وإلا زلت القدم كما وقع لكثيرين لم يفرقوا بين أفعال الجبلة والطبيعة البشرية المحضة وبين الفعل التعبدي المقصود به القربة، فأرادوا حمل الناس على تدين واحد وهيئة واحدة معرضين أو متجاهلين اختلاف الزمان والمكان والإنسان. 

نداء إلى أحباب رسول الله

فيا معاشر المسلمين، هذه سيرة يهتدي بها الرئيس والمرؤوس، والقائد والتاجر والعامل، والزوج والزوجة والابن والبنت، والطالب والتلميذ، هذه سيرة لا يقوم مقامها بحث عن فيدوهات الناجحين ولا روايات وقصص النجاح. إنها مركز استشارة ينبغي أن يكون في بيتك تبدأ به قبل غيره، تجعل له وردا ولو أسبوعيا أو شهريا. 
وها هي سَنَة هجرية تتجدد تذكرك بسيرة خير البشر، بجهاده وعلاقاته ومواقفه، وتؤكد لك أنها سيرة تصلح لك كما صلحت لمن قبلك على امتداد قرابة الخمس عشرة قرنا. فليكن احتفاؤك بهذه الذكرى مزيد تعرف على صاحب هذه السيرة بقراءة في كتب السيرة النبوية العطرة.

ماذا أقرأ في السيرة النبوية؟

اقرأ كتاب "الرحيق المختوم" لتكون عندك نظرة شاملة مقتضبة لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عليك بكتاب "الشمائل المحمدية" لتتعرف على صفاته الخلقية والخلقية، فتزداد له محبة وترقى مرتبة سنية. ولتعرف ما له عليك من حق تأمل في كتاب "الشفا في التعريف بحقوق المصطفى". ولتزداد له شوقا عش أياما مع كتاب "وأظلمت المدينة" لتودع المصطفى قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى. وليكون لقراءتك للسيرة ثمرة، وتهتدي بما فيها من زاد –وأنت تعلم أن خير الزاد التقوى-  صاحب كتابَ "زاد المعاد في هدي خير العباد"، ومعه كتاب خفيف الألفاظ مسبوك العبارة "فقه السيرة" للغزالي