أولا: الصفات الخلقية 
1/اللطف والود

كان رسول الله ﷺ لطيفًا، ومن لطفه مع الصغار أنه كان لأنس بن مالك رضي الله عنه أخٌ يدعى أبا عمير، وكان له طير يلعب به يسمّيه (النُّغَير)، مرة جاءه رسول الله ﷺ وطيره قد مات في القفص، فمسح على رأسه وقال: «يا أبا عمير، ما فعل النغير»، ومن هذا الحديث استخرج الإمام الشافعي (99) فائدة، وقال: (اكتفيت بهذا القدر تيمنًا بأسماء الله الحسنى).

جاءته امرأة تسأله عن مسألة فقال لها: «الحقي بزوجك فإنّ في عينيه بياض»، فركضت إلى زوجها معتقدة أنّه قد عمي، فلما جاءته وجدته لا بأس به، فسألها عن حالها فأخبرته فضحك وقال: (يا امرأة هل يوجد إنسان لا بياض في عينه)، وجعلا يضحكان معًا.

كان “زاهر” أعرابي يعيش في البادية ويزور النبي ﷺ منْ وقتٍ لآخر، ويهديه ما يستطرف -الغريب- من البادية، ورسول الله ﷺ يهديه ما يستطرف في المدينة، رآه النبي ﷺذات يوم في سوق المدينة وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني.. من هذا؟ فالتفت فعرف النبي ﷺ، فجعل يلصق ظهره بصدر النبي ﷺ، وجعل النبي ﷺ يقول: «من يشتري هذا العبد؟»، فقال: يا رسول الله، إذًا تجدني كاسدًا، فقال النبي ﷺ: «لكنك عند الله لست بكاسد»، أو قال: «عند الله أنت غال».

2/تواضع الرسول

التواضع كما يقول الغزالي: (تنزل بالنفس من غير ابتذال)، وكان رسول الله ﷺ مثالًا في التواضع، يروي لنا البراء عن يوم الأحزاب أنّ ﷺ كان يحفر وينقل التراب معهم وقد وارى بياض التراب بياض بطنه، يلبس الغليظ من الثياب ويركب الحمار، وكانت الطفلة الصغيرة تأتيه وتأخذ بيده حيث تشاء، يجيء الغريب وهو بين أصحابه فيقول: (أيّكم محمد) فلا يميّزه بينهم، هذا التواضع يزيده في نفوسهم إجلالًا وحبًّا له.

عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله ﷺ يعلف الناضج، ويعقل البعير، ويقمّ البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا تعب، ويشتري الشيء من السوق فيحمله إلى أهله، ويصافح الغني والفقير والكبير والصغير، ويسلم مبتدئًا على كل من استقبله، من صغير أو كبير، وأسود وأحمر، وحر وعبد».

3/وفاء الرسول
– وفاء الرسول ﷺ مع مرضعته وأخته من الرضاعة:

كان إذا رأى حليمة السعدية في مكة يقوم إليها ويقول: «أمّي أمّي»، الشّيماء أخته من الرضاعة كانت في أسرى هوازن بعد غزوة حنين، فسألت عنه وأخبرته أنها أخته بالرضاعة، وعلامة ذلك عضّة في ظهرها لما كانت تحمله وهو صغير، فأطلقها وبالغ في إكرامها وأرسلها إلى أهلها مُكرّمة.

– وفاء الرسول ﷺ مع أمّه آمنة:

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا مع رسول الله ﷺ في العمرة، فمررنا على قبر قديم من قبور الجاهلية، فأوقف القافلة وذهب إليه وأخذ يبكي بكاء له نشيج، فلما رجع قلت: ما ذاك؟ فداك أبي وأمي يا رسول الله، فقال: «يا عمر، هذا قبر أمّي آمنة بنت وهب، استأذنت ربي أنْ أزور أمي فأذن لي، واستأذنته أنْ أستغفر لها فلم يأذن لي، فأخذتني رقّة الولد على أمّه».

– وفاء الرسول ﷺ مع بلده:

لما خرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة التفت إليها وقال: «والله إنّك لأحبّ بلاد الله إلى نفسي، ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت».

– وفاء الرسول ﷺ مع أصحابه الذين ساندوه:

فيقول: «لا تسبّوا أصحابي»، ويقول: «استوصوا بالأنصار خيرًا، أحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم»، «الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق».

 وزعّ رسول الله ﷺ غنائم حنين فكان نصيب الأنصار منها قليلًا؛ فوجدوا في نفوسهم، فجمعهم وقال: «أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذبًّا فصدقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك، ألا ترضون يا معشر الأنصار أنْ يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده: لولا الهجرة لكنت امرًأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وسلكت الأنصار شعبًا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار».

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: (رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا).

4/حياء الرسول

كان رسول الله ﷺ شديد الحياء ويصفونه أنه (أشدّ حياء من العذراء في خدرها)، فالحياء شعبة من شعب الإيمان والحياء لا يأتِ إلا بخير، وهو انقباض النفس عمّا يعبيها من الأفعال والأقوال، جاءته امرأة تسأله عن طهارة المرأة فقال: «تطهّري واغتسلي»، فقالت: كيف أتطهّر؟ فقال: «تطهّري!»، فانتبهت السيدة عائشة فدعتها وشرحت لها ما يكون من أمر المرأة عند التطهّر.

جاءه بعض الصحابة وهو في بيت السيدة زينب، وأثقلوا عليه وهم يحدّثوه وهو يكلّمهم ويؤانسهم، لكنه لم يشعرهم بشيء حياء منه، فنزل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ}.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ مضطجعًا في بيته، كاشفًا عن فخذيه – أو ساقيه – فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله ﷺ وسوى ثيابه، فلما خرج سألته عائشة عن ذلك، فقال: «إنّ عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة ألا يبلغ إليّ في حاجته»، وفي رواية: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟».

ثانيا: أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم 

جمعت في رسول الله ﷺ مكارم الأخلاق بأعلى درجاتها، فقد كان العرب في جاهليتهم يتمتعون بالكثير من خصال الخير، ففاقهم النبي ﷺ بأكثر ما تميّزوا به من خصال الخير، ومن هذه الأخلاق:

1– الصدق والأمانة:

عُرف رسول الله ﷺ في قومه بـ “الصادق الأمين” حتى قبل بعثته، ولما طلب هرقل الروم تجّارًا من قومه ليسألهم عنه، تقدم أبو سفيان وأجابه ومن جملتها سأله قائلًا: هل كان يكذب فيكم؟ فقال أبو سفيان: ما جرّبنا عليه كذبًا قط، فقال هرقل: (ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله).

يؤكد النضر بن الحارث -أشد قريش عداء للإسلام- على صدق النبي ﷺ، حين قام خطيبًا في قريش قائلًا لهم: (يا معشر قريشٍ، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعْد، قد كان محمدٌ فيكم غلامًا حدثًا، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، لا والله ما هو بساحر).

2– الشجاعة والبطولة:

كان رسول الله ﷺ قدوة في الشجاعة، فلو أننا حسبنا المدّة التي قضاها في المدينة مع عدد الغزوات والسرايا، لوجدنا أنه كان في جهاد كل شهرين، تظهر شجاعته في غمار المعارك وفي مواقف الفزع، أغار قوم على أطراف المدينة وسرقوا وهربوا فصرخ مزارع، فأسرع الذين سمعوا إلى سلاحهم وخيلهم ولما همّوا بالانطلاق وجدوا رسول الله ﷺ عائدًا على خيل بلا سراج وهو يقول لهم: «لن تراعوا، لن تراعوا».

ويقول عمران بن حصين رضي الله عنه: (ما لقي رسول الله ﷺ كتيبة إلا ويكون هو أوّل من يتقدّم)، وعلي بن أبي طالب البطل الشجاع كان يقول: (كنا إذا حمي البأس، واحمرّت الحدق، اتّقينا برسول الله ﷺ، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ﷺ وهو أقربنا إلى العدو).

3– الجود وقوّة الحجة:

قال علي كرم الله وجهه: (كان رسول الله ﷺ أجود الناس صدرًا، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أرَ قبله ولا بعده مثله ﷺ).

يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (ما رأيت أنجد، ولا أجود، ولا أشجع، ولا أرمى من رسول الله ﷺ»،

وختامًا

نريد أنْ نتعلم من رسولنا ﷺ أمر ديننا، ونتعلم كيف نكون إنسانًا كاملًا، مقتدين برسول الله ﷺ الإنسان الكامل، نسأل الله تعالى أنْ نقتدي به ونسير على نهجه ونحافظ على ما أمر به، وندع ما نهانا عنه، وأن يجمعنا معه في الفردوس الأعلى، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وعلى صحبه وسلّم، وعلى من سار على نهجه إلى يوم البعث والنشور.