هي أمة لا ينقضي عجب الأيام من عزماتها، تنام حتى كأنها مع الأموات في لحودها، ثم تزأر فإذا الأسود نعاج من زئيرها.
ألفوها لاهية وهنة عليلة، جعلوها حاشية تابعة خليلة، وفجأة، ذات صباح وهم سكارى بأحلامهم وظنونهم، أتاهم أبناء لها بررة، لبوا نداءها لما سمعوا أنينها، فأحاطوا بأعدائها من فوقهم ومن بين أيديهم، هل كانوا في السماء صقورا أم طيرا أبابيلا، أم كانوا في الأرض ليوثا حين كسروا الجدار وداهموا الديار.
ذرهم وما صنعوا وابتكروا، وما أغواهم من عتاد كأنه لقوم عاد، وانظر لألائك الأفراد الشداد بناة الأمجاد، آمنوا بقول ربهم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال: 60]، فأعدوا العدة وأحكموا الخطة، فبهت الذي كفر، وصعق الذي تجبر وتكبر، فلم يكن له أن يقاوم طوفانا.
غزة، تلك أرض أبت إلا أن تحفظ للأمة ما بقي من كرامة وعزة، نساؤها حرائر الأمة ومصانع رجالها، أطفالها كنز الأمة وبناة مستقبلها، شبابها حراس الحدود، كاسروا القيود، سل عنهم عسقلان وأسدود، خبروا عدوهم فعرفوا أنه جبان عن نزال الجنود، لا يحسن غير قصف المساجد والبيوت، يختبئ خلف قبة حديدية هي أوهى من بيت العنكبوت.
جرأه على عدوانه صنفان، صنف ألفوا الظلم واستباحوه لأنفسهم فويل لهم ممن حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، وصنف خذلوا إخوانهم وأسلموهم بل ألجموهم وما نقموا منهم إلا أنهم عن حياضهم ذادوا ودافعوا، فيا عجبا من زمان يسلم فيه المسلم أخاه المسلم.
لكن يا أهل غزة، تيقنوا أن لكم إخوانا صدقوا ما عاهدوا الله عليه من النصرة والإعانة، عذرهم أنهم منعوا عنكم، وحيل بينهم وبين ما يشتهون من مشاركتكم ونيل شرف صحبتكم، فقلوبهم ودعواتهم سلاحهم، وحالكم ونصرتكم همهم. فاستبشروا بجهادكم، فأنتم جيش وخلفكم جيوش الدعوات والابتهالات.