آيات بينات وتفسير من أهل العلم يرد على شبهات من ينكر على المقاومة الغزاوية ابتداءها طوفان الأقصى، أين هؤلاء من قوله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: 102]؟ آية بينة تقرر شدة عداوة الكفار المحاربين للمسلمين وتربصهم غفلتهم وإهمالهم ليوقعوا بهم. فلو لم تبدأ المقاومة طوفانها هل كنا ننتظر من المحتل أمنا وسلاما، وهو الذي لم يزل يعيث في أرض القدس فسادا؟ أفلا تعقلون؟
طوفان الأقصى علو همة
أو كلما أشرق للأمة نور ورفعت لها راية كنا أول من يطعن ويخون ويبخس؟
قوم علت همتهم ولم يقنعوا أن يبقوا أبد الدهر مدافعين منتظرين فسفور العدو وقذائفه، فكان طوفانهم عنوان همتهم وخزي عدوهم. وكأنه استجابة لقول ربهم سبحانه {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]. ولنقرأ ما أورده الشيخ رضا في تفسير هذه الآية لعل قضية الطوفان تزداد بيانا. يقول رحمه الله: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم"، أي: عليكم بالعزيمة وعلو الهمة مع أخذ الحذر والاستعداد حتى لا يلم بكم الوهن، وهو الضعف، في ابتغاء القوم الذين ناصبوكم العداوة أي طلبهم، فهو أمر بالهجوم بعد الفراغ من الصلاة، بعد الأمر بأخذ الحذر وحمل السلاح عند أدائها، وذلك أن الذي يلتزم الدفاع في الحرب تضعف نفسه وتهن عزيمته، والذي يوطن نفسه على المهاجمة تعلو همته، وتشتد عزيمته، فالنهي عن الوهن نهي عن سببه، وأمر بالأعمال التي تضاده، فتحول دون عروضه".
فهذه آية تشد على يد المقاومة، بل وتحثهم على المعاودة، وتذكر المنكرين بالواجب على المؤمنين في حربهم مع أعدائهم.
الألم من سنن الدنيا
وتستمر الآيات وبيانها في الرد على المنكرين حين يرون عدد الشهداء يزداد فيزيد إنكارهم على المقاومة، بل ويجرؤ بعضهم على تحميلها المسئولية بدل لوم العدو الحقيقي الذي لا يفرق بين عسكري ومدني. نعم، فما نراه من الشهداء والدمار يؤلم قلب كل صاحب فطرة، ولكن هل وُعدنا نصرا بلا ألم؟ أليس من سنن دنيانا أنها دنيا كبد وألم؟ وهذا ما يؤكده قول ربنا سبحانه: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}، يقول الشيخ رضا في تفسير الآية: "لأنهم بشر مثلكم، يعرض لهم من الوجع والألم مثل ما يعرض لكم، لأن هذا من شأن الأجسام الحية المشترك بينكم وبينهم، وترجون من الله ما لا يرجون لأنكم تعلمون من الله ما لا يعلمون، وتخصونه بالعبادة والاستعانة وهم به مشركون، وقد وعدكم الله إحدى الحسنيين النصر أو الجنة بالشهادة إذا كنتم للحق تنصرون، وعن الحقيقة تدافعون، فهذا التوحيد في الإيمان، والوعد من الرحمن هما مدعاة الأمل والرجاء، ومنفاة اليأس والقنوط".
قوة الرجاء
من جميل اللمحات التفسيرية للدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي عند حديثه عن هذه الآية أن قال: لم يقابل الله تعالى في الآية بين الألم واللذة، فلم يقل: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وتلتذون بما لا يلتذون به، بل قابل الألم بالرجاء دلالة على أننا والأعداء في الألم سواء، وإنما نمتاز عنهم برجائنا في الله سبحانه ووعده.
وقد بين الشيخ رشيد رضا قوة هذا الرجاء الذي فضلنا الله به على العدو فقال: "والرجاء يبعث القوة، ويضاعف العزيمة، فيدأب صاحبه على عمله بالصبر والثبات، واليأس يميت الهمة، ويضعف العزيمة، فيغلب على صاحبه الجزع والفتور، فإذا استويتم معهم في آلام الأبدان، فقد فضلتموهم بقوة الوجدان، وجرأة الجنان، والثقة بحسن العاقبة، فأنتم إذن أجدر بالمهاجمة، فلا تهنوا بالتزام خطة المدافعة".
فالرجاء سلاحكم يا أهل الطوفان فلا تذهلوا عنه، وليس للعدو سبيل إليه فلا تخشوه.
اليقين بنصر الله
قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: 82]، متى ستعقل الأمة آيات هذا الكتاب العظيم، وتوقن أن فيه الشفاء لجميع أدوائها، فها هي آية واحدة من كتاب الله تعالى تجلي لنا حقيقة ما نعيشه من أحداث، وتدلنا على سبيل الهدى فيها. يقول الشيخ رضا في خاتمة الآية وهي قوله تعالى: "وكان الله عليما حكيما":
"وقد ثبت في علمه المحيط، واقتضت حكمته البالغة، ومضت سنته الثابتة، بأن يكون النصر للمؤمنين على الكافرين، وما داموا بهديه عاملين، وعلى سننه سائرين، لأن أقل شأن المؤمنين حينئذ أن يكونوا مساوين للكفار في عدد القتال وأسبابه الظاهرة وهم يفضلونهم بالقوى والأسباب الباطنة، وإذا أقاموا الإسلام كما أمر الله - تعالى - أن يقام، فإنهم يكونون أشد للقتال استعدادا، وأحسن نظاما وسلاحا. فهذه الآية برهان علمي عقلي على صدق وعد الله للمؤمنين بالنصر".
فاليقين بعلم الله وحكمته يقتضي التسليم لأمره، وهذا التسليم لا ينافي العقل الصريح الفطري. فحتى يزداد إيمان المؤمنين بوعد الله يسوق الله تعالى لهم أدلة على استحقاقهم النصر.