ويسألون بمكر أو جهل أو حقد: هل يستحقّ كلّ هذا أن يموت عشرات الآلاف منكم ويُجرحون ويعذّبون هذا العذاب، وتدمّر نصف بيوتكم ومرافق حياتكم !
وهناك مقالتان تنقضان عليهم دعاواهم في هذا العنوان: واحدة ضافية مبسوطة أنشرها في سعةٍ قادمة، والأخرى موجزة، وهي هذه:
إنّ الذي يدمّر ويسفك الدماء هو هذا العدوّ بكامل إرادته وقصده ونيته، فهو وحده من يتحمّل المسؤولية القانونية والجنائيّة والأخلاقيّة.
وهذا العدوّ يعرف أنّه لا يحتاج أبداً إلى كل هذا القتل والدمار ليثأر مما أصابه أو ينتقم، وكان يمكنه أن يقاتل بشرف ويتجنّب كل ذلك بإجراءات معلومة لدى كل عامل في شؤون الحرب.
وهذا العدوّ يدرك أنّه يمسّ الأبرياء والمدنيين والمرافق الإنسانيّة، ومع ذلك فهو يتعمّد استهدافهم، رغم أنهم لا يشكّلون أيّ خطر عليه، لأنهم حاضنة النضال وأعزّ ما لدى المناضلين.
وهذا العدوّ لم يحتجْ يوماً إلى مبرّر ليفعل أيّ شيء يعاقِب فيه كل متمرّد على سلطته وعدوانه.
وهذا العدوّ يَعتبر أيّ مواجهةٍ له تحفيزاً لبطشه وغريزة التوحّش لديه، وهو لا يتردد في توجيه أقصى ضربة ليفهم أيّ معترض عليه أنه لن يرحمهم إذا قاومه.
إن المقارنة بين العدوان والتعرّض له والتسوية بينهما في الإدانة والاعتراض، مقارنة ظالمة غير سويّة وغير جائزة أبداً، وهي تخدم العدوّ الظالم وحده، ومن المعلوم أنّ كل أحدٍ يجب عليه أن يدافع عن ماله وعرضه ودمه وأرضه، وهو جبانٌ آثمٌ لا خير فيه إن لم يفعل؛ وأيّ طاغيةٍ معتدٍ لن يتورّع عن مدّ طغيانه وبسطه إذا لم يواجَه بأقصى ما يُستطاعُ المواجهةُ به.
إنّ هذا الطوفان كان فوق ما يظنّ العدوّ والصديق، وذلك أنّه جاء ليغيّر نمط العدوان المستديم الذي يقتلننا بطء ويسلخنا عن أرضنا بالتقسيط، وما كان يفعله من قبل بالتقسيط يفعله الآن جملة واحدة، فهو كيان لا يرى إلا نفسه على أرضنا، ولا يريد أيّ أحد غيره عليها، ويؤمن بكل وسيلة تنتهي بإخراجنا منها أو فنائنا.
ولابد أن نذكّر ختاماً بأنّه قد تعيّن لدى العلماء أنّه إذا شُرع في القتال فقد حرُم الانصراف، ووجبت المصابرة، وحرُم التشويش على المقاتلين من أي جهة: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا).