يا عدونا هل تتربص بنا إلا إحدى الحسنيين؟ ألم تحفظهما وهما لخطاباتنا الخاتميتن، نصر أو استشهاد؟
يا أهلنا في ثغر غزة العزة، هل طال عليكم أمد النصر؟ هل أحزنكم نكوص غيركم وصمت العالمين عن عدوان عدوكم؟ ألا فلتعلموا، بل فلتتيقنوا أن رب العالمين يدافع عن المؤمنين، وهو سبحانه نعم الولي ونعم النصير{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38]

أهل غزة اطمئنوا

في هذه الآية الكريمة بشرى لأهل الإيمان، وطمأنة لهم بتحقق نصر الله ودفاعه عن عباده المؤمنين في الدنيا، يقول الإمام محمد الطاهر بن عاشور في تفسيرها: "استئناف بياني جوابا لسؤال يخطر في نفوس المؤمنين ينشأ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج: 25]الآية، فإنه توعد المشركين على صدهم عن سبيل الله والمسجد الحرام بالعذاب الأليم، وبشر المؤمنين المخبتين والمحسنين بما يتبادر منه ضد وعيد المشركين وذلك ثواب الآخرة. وطال الكلام في ذلك بما تبعه، لا جرم تشوفت نفوس المؤمنين إلى معرفة عاقبة أمرهم في الدنيا، وهل ينتصر لهم من أعدائهم أو يدخر لهم الخير كله إلى الدار الآخرة. فكان المقام خليقا بأن يطمئن الله نفوسهم بأنه كما أعد لهم نعيم الآخرة هو أيضا مدافع عنهم في الدنيا وناصرهم".
وانظر إلى تأكيد الله تعالى لهذه المدافعة، لكي تطمئن نفوس المؤمنين بتحقق وعد الله، وحتى لا يحملهم شدة انتظار النصر على الارتياب والتردد في وعده سبحانه.

فيا أهل غزة، إن كان من حولكم لا يجاوز حاله التنديد والقلق والتلويح بالتصعيد، وهو عن ذلك أبعد،  فهذا رب العالمين يؤكد لكم وعده بالدفع والدفاع عنكم ما تمسكتم بإيمانكم.


الإيمان شرط في دفاع الله

يقول صاحب الحكم العطائية: "اجتهادك فيما ضمن لك، وتقصيرك فيما طلب منك، دليل على انطماس البصيرة منك". فإذا كان سبحانه قد أخبر وأكد دفاعه عن المؤمنين، فقد بين سبحانه سبيل استحقاق ذلك، يقول ابن عاشور: "والتعبير بالموصول (أي الذين آمنوا) لما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وأن دفاع الله عنهم لأجل إيمانهم."
فيا مسلمين، ويا أهلنا في غزة المرابطين، لا تغفلوا عن سلاح الإيمان، آمنوا بالله بتصديق وعده واليقين فيه، وآمنوا بملائكته المؤيدين لأهل الحق الحافظين لهم، وآمنوا بكتبه التي تصدح بنصر المؤمنين وخزي الكافرين ودحرهم، وآمنوا برسله الصادقين في البلاغ والقدوة في الصبر على البلاء، وآمنوا باليوم الآخر يوم المكرمات للشهداء ويوم القصاص من الظلمة أهل الاعتداء، وآمنوا بقدر الله في السلم والحرب، فكل شيء عنده بمقدار، والعاقبة للمتقين الأبرار.

أذى الخائنين مدفوع عن المؤمنين

إن كل كلمة في آيات هذا الكتاب المجيد تحمل بشارات لأهل الإيمان، وتزيد الظالمين البعد والخسران. فبعد أن أكد الله سبحانه دفاعه عن علاده المؤمنين خاصة، تفضل عليهم ببيان علة هذا الاختصاص، يقول الطاهر بن عاشور: "وجملة "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" تعليل لتقييد الدفاع بكونه عن الذين آمنوا، بأن الله لا يحب الكافرين الخائنين، فلذلك يدفع عن المؤمنين لرد أذى الكافرين، ففي هذا إيذان بمفعول يدافع المحذوف، أي يدافع الكافرين الخائنين."
وتأملوا هاتين الصفتين الموجبتين لعدم المحبة يا أهل غزة، فهما ألصق الصفات بعدونا وعدوكم. فلا تسل عن شدة كفر من قتل الأنبياء ولم يزل يستحل دماء الأبرياء، ولا عن شدة خيانة من لا عهد له حتى مع ربه الذي خلقه، وجعل منهم أنبياءه ورسله.
قاعدة النصر يا أهل غزة: بإيماننا وشدة كفر وخيانة عدونا ننال دفاع ربنا الذي هو نصره وتأييده.