بين الأسرة والمدرسة والمجتمع تتكامل المسؤوليات التي تهتم بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، ويتفاوت هذا الاهتمام من دولة إلى أخرى في الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج.
فلا يزال واقع حقوق هذه الفئة من النّاس في العالم العربي بحاجة إلى المزيد من التركيز، من أجل إدماج هذه الشريحة من المجتمع، في الإنتاج والإبداع ومختلف الأنشطة المجتمعية التي يمكن أن يسهموا فيها ويكونوا من خلالها عناصر فاعلين في بناء المستقبل كغيرهم. والدمج يعني التكامل الاجتماعي والتعليمي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال العاديين في الفصول العادية ولو لجزء من اليوم الدراسي على الأقل.
مشكلة البطالة وموقع ذوي الاحتياجات الخاصّة
تمثل مشكلة البطالة لأي مجتمع القضيّة المحورية في اقتصاد البلاد، لأنّها تعكس أبعادًا اقتصادية عديدة، بالإضافة إلى أبعاد سياسية واجتماعية وأمنيّة أيضًا، ومن ناحية أخرى تؤدّي مشكلة البطالة إلى إهدار استغلال الموارد البشرية القادرة والراغبة في العمل. ويتوقف نجاح السياسة الاقتصادية في أي مجتمع على مدى قدرتها على تخفيض معدّل البطالة في هذا المجتمع، حيث أن مشكلة البطالة تعد مشكلة رئيسية تعاني منها معظم الدول ولكن بشكل مختلف ومتفاوت من دولةٍ إلى أخرى.
وهكذا، فإنّ هذا الاتساع في حجم البطالة يؤدّي إلى تحيُّز سوق العمل لبعض الفئات على حساب الفئات الأخرى. ولا شكّ أن فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة تدخل ضمن الفئات التي تتسع معدلات البطالة فيها، طالما لا يوجد تدخل منظم من الحكومات لحماية هذه الفئة.
ويؤكد هذا الاتجاه نظرية تجزئة سوق العمل التي استندت لدراسات ميدانية توصلت إلى أن قوة العمل تتعرض لظاهرة التجزئة على أساس المستوى التعليمي أو وفقًا للسن أو النوع أو وفقًا للمكان. وتقسّم نظرية تجزئة سوق العمل السوق إلى سوقين؛ الأول يضم فرص عمل جيدة وأجور مرتفعة كما يتمتع العاملين فيه بالاستقرار والحصول على تدريب مستمر، في حين يتسم السوق الثاني بانخفاض فرص العمل أمام الأفراد وتقلص الأجور فضلاً عن سهولة التعرض للبطالة. وبهذا فإن النظرية ترى أن هناك عدم تجانس في سوق العمل وبالتالي فهناك فئات تضار أكثر من غيرهم ويأتي في مقدمة هؤلاء ذوو الاحتياجات الخاصة.
ذوو الاحتياجات الخاصّة والضّمان الاجتماعي
لا شك أن برنامج الإصلاح الاقتصادي في أي دولة يحرص في تطبيقه على مراعاة البعد الاجتماعي، فبات من أهم الأهداف الرئيسية للنظام الاقتصادي في أي مجتمع يطبق اقتصاديات السوق، وذلك من خلال تدخل الحكومة بالسعي نحو تحقيق العدالة في توزيع الدخل وتوفير المتطلبات الأساسية للفقراء، ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصّة على المعيشة والحصول على فرص عمل وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية دون التأثير على آليات السوق. ثمّ إنّ التحول نحو المزيد من تطبيق قوى السوق، وتطبيق العديد من الدول النامية لبرامج الإصلاح الاقتصادي، جعل هذه الدول في حاجة أكبر إلى برامج الأمان الاجتماعي لتعمل على علاج الآثار الجانبية من الناحية الاجتماعية المتولدة عن هذا التحول.
وتقوم نظم التأمينات والمعاشات الاجتماعيّة بتحقيق الأهداف الاجتماعية للنظام الاقتصادي من خلال توفير الأمان الاجتماعي لبعض الفئات المحتاجة. كما يعتبر هذا النظام -التأمين والمعاشات- من أهم الأوعية التي تستطيع تعبئة قدرًا كبيرا من المدخرات وتمويل الاستثمارات طويلة الأجل.
وبناء على ما سبق فإن التغيرات الهيكلية التي يمر بها الاقتصاد العربي، تتطلب ضرورة إتباع نظام شبكة الأمان الاجتماعي بدلا من نظام التأمين الاجتماعي، الذي يمكن أن يؤدى إلى تطوير في بعض ركائز اقتصاد السوق بالإضافة إلى المساهمة في توسيع نطاق المستفيدين من النظام ويأتي في مقدمة المستفيدين فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك تحقيق العدالة الاجتماعية.
إنّ حماية ذوي الاحتياجات الخاصّة من كل أشكال الاستغلال وتمكينهم من التمتع بالرعاية القانونية واستشارتهم في كل ما يتعلق بحقوقهم التي تعتبر جزء من منظومة اجتماعية، اقتصادية، تنموية، إنسانية شاملة، ضرورة يجب أخذُها بعين الاعتبار، كما أنّهُ لا يُمكن نسيان دور الأسرة ومسؤوليتها في تحسين الوضع الاقتصادي لهذه الفئة، وأنّ لكلّ فرد منها الحق مع أسرته في أخذ حاجته الخاصة في كل مراحل التخطيط الاقتصادي.
وعلى رغم وجود جهود كبيرة للعناية بهم ودمجهم مع أفراد المجتمع العاديين في بعض الدول العربية، كما هو الحال على سبيل المثال في دولة الإمارات، حيثُ اتخذت بدل مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة، إسم "أصحاب الهمم" للتوصيف حالتهم، إذ تقوم الفلسفة هنا على قضية الإرادة التي يمتلكها هذا الشخص، أو الهمة التي يمكن من خلال المساعدة أن تتحول إلى عمل يتجسد على أرض الواقع، يفيد به ذاته والمجتمع من حوله. وهي هكذا تكون الدولة الأولى عربيًا في مستوى إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، فإن هناك الكثير من القصور تجاه هذه الشريحة في أغلب الدول العربية. ثمّ إن توفر الفرص والإمكانات هو ما يعين المعاق على الاندماج في المجتمع والتميز في سوق العمل، فنحن بحاجة إلى برامج نوعية تأهيلية في المدارس والجامعات لتقليل عبء وكلفة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة على الدولة.