شاءت إرادة العلي القدير أن تحكم الكون سنن في غاية الدقة والتدبير، لا ينفع معها تعجّل الأذكياء ولا محاباة الأصفياء « فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا » .
فمن أقام لها حسابها ووفاها حقها كان في عداد الفائزين ومن أبّى ذلك وتكبّر وأهملها وأدبر مضت فيه سنة الأولين بدون اعتبار لجاه وسلطان أو نسب كريم.
ولأن فريضة الإعتبار هي الركن الغائب عن أبجديات بعض العاملين لهذا الدين كان لزاما علينا التذكير لعلنا ننفع المؤمنين ونكون سببا في تقويم مسار السابقين.
إن الأمة الإسلامية في مخاض عسير، يكيد لها القريب قبل البعيد، وتتقاذفها أيادي الغزاة مع الطغاة والغلاة في كل حين وفوق هذا نجد من أبنائها العاملين وهَناً وقلة إحاطة وتخطيط، وأحيانا مصادمة لنواميس الدنيا والدين، وفي خضم كل هذا البلاء العظيم قد أشكل على البعض فهم سبب غياب النصر والتمكين لأمة الهادي الأمين.
 كحال صاحبي المسكين الذي قال في عتاب يكتنفه شجون، مابالك يئست منهم أتراك نسيت أن حزب الله هم الغالبون؟! أتراك أغفلت "إن عبادنا لهم المنصورون"!
قلت كلا ولكن يقيني أنهم على هذه الحال لا ينصرون.
لا ينصرون... وقد شغلتهم الوسيلة عن الغاية، ألم ترى أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون وفوق هذا هم جماعات متفرقون كل حزب بما لديهم فرحون.
لا ينصرون... وفيهم من جَهِلَ أننا ما سعينا لإسقاط ديكتاتوريات علمانية لنقيم أخرى بإسم الإسلام، فالإسلام بريء من الفهم السقيم والاستغلال المشين لنصوص الدين.
لا ينصرون... ومن شيعتنا من يريد أن يقحمنا في معارك جانبية إرضاء لمزاوداته و تلبية لنزواته مع مابنا من ضعف وهوان والأصح أن نقول له ما قال موسى عليه السلام للذي من شيعته « إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ».
لا ينصرون... وفيهم من يتمنى حصول المصالح الدينية والدنيوية على أيدي حزبه فحسب ويكره حصولها على يد غيره، متناسين حقيقة مسيرهم الذي ما هو إلا اجتهاد يبقى عرضة للخطأ والصواب.
لا ينصرون... ومنهم من يهرول لإرضاء أعداء الدين على حساب أبناء ملتهم المسلمين، فيأخذون بالرخص مع المخالفين وبالعزائم مع أبناء الأمة المعارضين.
لا ينصرون... لأنك عندما تقرأ بشارة القرآن في سورة الروم، ثم تيمم شطرك نحونا تدرك حجم الشقاق والبعد عن كتاب ربنا.
لا ينصرون ... وفيهم من جَهِلَ أن حديث "بدأ الإسلام غريبا.." في لبه للتعزية والمواساة ودعوة للتغيير لا لتكريس واقع الغربة الأليم.
لا ينصرون ... وبعضهم استبطئ طريق الحق الطويل فصار من الانتهازيين المستعجلين الذين يشترون الدنيا بالدين و يلصقون شعارات الإسلام على واقع اليسار أو اليمين والإسلام بريء من هذا الواقع الأليم.
لا ينصرون ... وقد غاب عن خلدهم أن تصحيح المسار يبدأ بالتمييز بين شدائد هي من لوازم الابتلاء ومقتضيات التكليف وبين نكسات سببها ترك الأخذ بالأسباب وسقم الفهم ومحدودية الأفق.
لا ينصرون ... وميزة بعضهم احتكار الحق والصواب وتسفيه المخالف بدون أسباب،فمنهم من يحسب أنه حاز الحق الإلهي والفهم الشرعي للنصوص دون غيره، وفيهم من يظن أنه حوى الفهم السياسي والوعي الجمعي للواقع المعاش دون البقية.
تلك عشرة كاملة لمن رام التصحيح والتحسين فحكمة الله في حرمانهم من النصر والتمكين تتجلى للناظرين في حالهم منذ عشرات السنين.
قال صاحبي في حسرة وذهول أكُلُ هذا حاصل لنا! ما بالنا !
هدى الله من كان السبب وبصره بطريق الحق وأزال عن ذاته العجب.
قلت فلتعلم يا أخي، بأنه لن ينال شرف التمكين إلا من تجرد لله وحده وتحزب للإسلام دونما سواه، وبأن صدق النية لا  يُجْزِأ عن تحري المسار وبأن النصر منحة مشروطة، وتأخره لا يورث الشك بصحة الطريق بقدر ما يرسخ اليقين بسنن رب العالمين، وحتى لا نكون في حزب المتشائمين أبشرك بدوام وجود الصادقين المخلصين، العارفين العاملين بشرع رب العالمين، المنكرين لموبقات الظالمين، المستمسكين بسير الصالحين، الباذلين نفوسهم في كل حين، لا يضرهم من خذلهم كما قال سيد المرسلين.