بـِقدر المصاعب يـُبنى الإنسان وبقدر التحَمل يـُجازى من الرحمن، لكنها فترات ثقيلة تأتي فجأة كأمواجٍ عاتية يترك بها الإنسان ما بـِيَده ساخطاً على قدره أو لائماً نفسه على فشلها، إنه اليأس الذي يدق النفوس فتختنق جَنباتها ويظن الإنسان حينها أنَّ ماله من قرارٍ يدفع اليأس عنه ويطرده.
اليأس هو وهن كبير في المشاعر التي كانت عامرةً بالأمل تجاه الأشياء حولنا؛ من عمل أو دراسة أو علاقات، فنفقد الرغبة بها وتقل العزيمة وتضعف الهمة بسبب تكرار محاولات النجاح التي لا تصيب، قال الله تعالى في سورة الإسراء "وَإِذَا أَنعَمنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُ كَانَ يَئُوسًا".
على أعتاب اليأس تكثر النصائح والإرشادات والأقاويل؛ لكن ما من حـلٍ أفضل من المواجهة الصادقة مع النفس عند يأسها، مواجهة تتكشف بها خبايا الفشل وأسباب الزلل، وتُتخذ فيها قرارات جديدة لترجع بها النفس إلى قواعدها سالمة ناجحة، والسؤال هنا: ماذا ستقول لنفسك إذا واجهتها؟
ذَكـِرها بـربها الذي نـَسِيـَّـته!
لا نصل لهذه الحالة من اليأس إلا عندما ننسى أنّ لنا ربا نتوكل عليه ونـُفضي إليه بحالنا، قال رسول الله: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً"، لا أعلم أننسى أنّ لنا ربا كريما أم أننا لا نثق بالذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام أنّه قادر على تحقيق أحلامنا؟!
إذا وجدت نفسك على هذه الحالة هـزها هزاً عنيفاً، وذكرها بربها الرزاق الواسع الضار النافع.
اصطحبها في نزهة..
خذ نفسك واشرب معها فنجان قهوة في مكان هادئ، تنفس بعمق وابتسم، كن سعيداً وأنت جالس مع نفسك، تحدث معها فيما يحزنها وارصد كل المشكلات التي تواجهها وكل الطموحات التي ترنو إليها، تحدث معها عن أقدار الله الجميلة والمرات التي عوضك فيها بأكثر مما تمنيت، ذَكرها باللحظات التي دق فيها قلبك وانهمرت دموعك من شدة الفرح، تذكر كل النعم التي تتمتع بها في حياتك، وأنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
بعد المواجهة ستجد أنك أخطأت في حق نفسك كثيراً وظلمتها ببعدها عن ربها، وضغطت عليها بالأحلام الواهية التي لم تخطط لها وجئت تلومها لأنها لم تحققها، أدخلتها في مقارنة غير عادلة مع الآخرين، أرهقتها بالعلاقات المـُزيفة والعشم الزائد حتى أتـتـك يائسة، قبل بداية صفحة جديدة مع نفسك اعتذر لها أولاً!
واجهها بحقيقة الموقف!
لابد من مواجهة صادقة مع نفسك لمعرفة مواضع الخلل والقصور، وأنّ أول ما أخطأت به وقوعك في حالة اليأس تلك، اكتب كل شيء وكن صريحاً معها في زلاتها وإخفاقاتها، فالاعتراف بنقاط الضعف وسوء التخطيط هو بداية النجاح، واجه بقوة وصدق لكي تشعر بالراحة، بعد المواجهة ستجد أنك أخطأت في حق نفسك كثيراً وظلمتها ببعدها عن ربها، وضغطت عليها بالأحلام الواهية التي لم تخطط لها وجئت تلومها لأنها لم تحققها، أدخلتها في مقارنة غير عادلة مع الآخرين، أرهقتها بالعلاقات المـُزيفة والعشم الزائد حتى أتـتـك يائسة، قبل بداية صفحة جديدة مع نفسك اعتذر لها أولاً وقدم لها فنجان قهوة آخر.
خـُذ القـرار
نحو صفحة جديدة وروح جديدة وأهداف بطعم جديد، بداية النجاح اتخاذ القرار وليس قرارا عابرا بل قرارات مصحوبة بإجراءات، بناء على ما رصدته وكتبته من نفسك ستتخذ القرارات المناسبة لا الخيالية؛ لكي لا تقع في فجوة الأهداف الكبيرة والإمكانيات غير المتوافقة معها، ولا أقصد هنا الإمكانيات الشخصية أو الذهنية فقط بل الوقت والجهد ونقاط القوة والضعف، باتخاذك القرار المدروس تقف على طريق النجاح.
عـِش سـعيداً
لا تترك نفسك تصل لهذه الحالة من اليأس، اجعل السعادة قراراً من قراراتك، كن سعيداً وراضٍ عن حياتك، يـُصاحبك الأمل ويرافقك النجاح ويؤنسك الكتاب وتـُحركك خِطة، ولا تنسى بعد هذا اللقاء الرائع مع نفسك أن تطلب منها موعداً آخرا قريباً، احرص دائماً أن تجلس معها وتحادثها وتهادنها بعد معارك اليوم الطويلة.
و في النهاية، كل الأعمال صعبة حتى تنفيذها، وكل الأماني واهية حتى تحقيقها، وكل الفشل مُخـٍز حتى إنجاحه، وكل اليأس خانق حتى مواجهته، وما الدنيا إلا اختبار كبير لا يحتمل اليأس أو التأخير.