قد يغزوا تفكيرك اليأس يوما، يتشبث بك يلازمك كأنك بعض منه وهو كل منك، تغرق في غيابات تفكيرك، في صراع بين القبول والرفض كأمواج متلاطمة تأخذك مدا وتأتي بك جزرا، لا أحد سيهتم بك.

تجاربنا دائما ما تنضجنا، فنزول آدم للأرض لم يكن عبثا، أعده الله إعدادا فكريا ربانيا، علمه كلماته، لقنه علما ثم عرضه على الملائكة، علمه أن التلقين فقط لا يكفي، فعليه أن يخرج من دائرة الأنا إلى أول تلامذته ألا فهم الملائكة، قلوب طاهرة زكية نورانية كلها صفاء ونقاء، استوعبت وفهمت الكلمات جيدا، تعلقت بآدم ذلك الذي قالوا أنه سيفسد في الأرض، لا زال الجدال قائما حوله، غير أن صناعة ربانية ألغت تلك الأفكار.

أفكار انطلقت من مشاهدة عاشتها الملائكة ورأتها من قبل، خشيت أن يعيد التاريخ نفسه، فأراد الله أن يثبت لها عكس ذلك، فليس جميع خلقه متشابه، خلق آدم وميزه بالعقل إكراما له، نجح آدم في مهمته فقد أوصل للملائكة رسالة ربه، ولكن كما عودنا التاريخ والواقع فلكل ناجح عدو وحاقد.

 في زمانك يا آدم كان إبليس، يتربص بك يدرس تحركاتك، يتعلم منك سر الطبيعة البشرية، فإن أردت التغلب على خصمك، فإنّ بالعقلية الإبليسية لا تهم الوسائل المستعملة ما دامت الغايات واضحة والرغبة موجودة، ففي قوانين إبليس قد بدأت اللعبة منذ خلق آدم، أراد أن يضع قوانين اللعبة في السماء، وتكون بداية الصراع من أجل إثبات النفس واسترجاع مكانته، وإثبات فكرته في الأرض. 

جميل الاختلاف ولكن حتى عالم الاختلاف له قوانين خاصة، فلو استثمر إبليس ما ميزه الله به لكان خير له، غير أنه نسي غاية وجوده في الجنة، فالاختلاف لا يقتضي بالضرورة الصراع الدائم، بل هو مبنى التكامل الكوني بين البناء والسير وفق السنن الكونية والتأييد الرباني. 

صراع الأفكار الذي نعيشه في زماننا اليوم ما هو إلا صراع بدأ في الجنة بين العقلية والنفسية الإبليسية وبين العقلية الآدمية، بين الاختلاف في الفهم الشمولي العميق والسطحيات، الخطة الإبليسية لا تزال سارية تمتد وتتعمق مهما اختلف الأشخاص والمظاهر إلا أن التاريخ يعيد نفسه، هيئات بشرية بعقليات مريضة بالغرور والكبر، فقانون أنا خير منه لا يزال يتوغل وينخر في عمق الأمة الإسلامية. 

إن أردنا النهوض بالأمة الإسلامية، فعلينا أولا بناء منظومة أخلاقية، بحلقة شمولية، بفهم صحيح للإسلام بصبغة ربانية، التغيير يبدأ من الذات، من أنا منهجا وتعاليما صحيحة، انطلاقا من منظومة أخلاقية صحيحة وصلبة، ترتضي القرآن منهجا وسبيلا للحق، عدالة في الأرض وانصافا.

لمجتمعنا دور في بناء تلك القيم والمساهمة إما في تنميتها وتفعيل أفرادها، أو في دحضها والقضاء عليها في مهدها، كن أنت نقطة التغيير ومحور الكون لا ترضى إلا بالتميز، خذه عنوانا وشعارا، كن آدميا عقلية وسلوكا، فالعقلية الإبليسية ستكون ناجحة في الأرض ومؤذية تهتز لها السماء.