لم يفرش طريق الدعوة إلى الله يوما بالورود بل دائما ما يكون محفوفا بالمصاعب من كل الجهات، بين مؤيد ورافض، بين مصلح ومفسد.
أراد الله أن يجعل لنا مثالا حيا يتجسد على أرض الواقع في سبيل السعي لغرس البذرة الطيبة، بين تخلية وتحلية، قصة انبثقت من بطن الحوت كانت الفاصل رغم اختلاف الزمان والمكان إلا أننا ما زلنا نعيش تفاصيلها في كل لحظة. 
فاختلاف الجغرافيا لم يغير منظومة الأفكار والقيم، فمنهم من حمل لواء الدعوة إلى الله متحديا الصعاب بثبات الجبال. ومنهم من حملها غير أنه تسرع في قطف ثمارها. فكانت النتيجة غرق من سفينة والتقام الحوت.
يونس النبي الكريم الذي أوصل رسالة ربه إلى قومه. غير أن كفرهم الشديد وتصديقهم بالأوثان وطريقة رفضهم لما جاء به يونس جعله يخرج من قومه غضبا.
 فليس من السهل أن تبدل القناعات وتغير المفاهيم، خاصة في مثل قوم سيدنا يونس عليه السلام فهم نينوى. والمعروف أهلها في زمانه بالقوة في جميع نواحي الحياة. كانت تلك النقطة الفاصلة التي هزت الكون، يوم بعث الله يونس عليه السلام. 
إلى قوم آثروا الحياة الدنيا وزينتها، يوم تغلق عقول فتكون النتيجة في بطن الحوت. إن خروج يونس من قومه غاضبا. لم يكن سوى ردة فعل طبيعية تنتاب أي بشري لو وضع في نفس مكان يونس.
فالغضب يعمينا أحيانا عن الحقيقة ويحيدنا عن أهدافنا، فاستعجال النتيجة يحرمك من قطاف ثمار انجازاتك. لنقل لا يحرمك منها تماما بل يؤجل لك موعد قطافها. فإن لم تنجح في غرس فكرة وتغيير منظومة قيم لا يستدعي منك بالضرورة تغيير المكان .
 بعد أن ركب يونس السفينة بين أمواج البحر المتلاطمة، بين مد وجزر بين أقدار الله. كان لا بدَّ من التضحية بشخص لإرضاء إله البحر حسب معتقداتهم، فما جعل يونس يخرج من قومه وهروبه منه على اليابسة وجده متجسدا في البحر. فالسلوكيات الخاطئة تعكس الأفكار والمعتقدات السائدة آنذاك في قوم يونس عليه السلام. سيلقى عليه السلام مصيرا مجهولا في عرض البحر، الخوف الهلع سينتابانه، فهي مشاعر بشرية نتيجة ما سيلاقيه، سيواجه الكون وحده، مواجهة البحر، مواجهة الخوف، مواجهة العزلة، مواجهة الخيبات المتتالية، خيبة على اليابسة وأخرى في عرض البحر.
لم تنتهي القصة،  فبعد أن رموك في البحر تيقنت أنك خسرت المعركة، لم تكن الهزيمة مرة واحدة فقط بل تتالت الهزائم، إلتقمك الحوت لطفا ورحمة من الله. رغم أن ظاهره عذاب وغضب من الله إلا أن باطنه رحمة، فهي لعبة الحياة التي يجب أن تتقن قواعدها جيدا.


كنت تحتاج إلى شيء يهزك من الأعماق، يهزك بقوة لتستيقظ لتدرك قدراتك وطاقاتك. لما أعدك الله له، كان يريدك سبحانه أن تعيد ترتيب ذاتك، أن تدرك حجم المهمة التي أعدك لها لتكمل نضجك الدعوي في اختبارك الأخير.

بين عزلة البحر والحوت تناغم كوني بين تسبيحات الحوت وهدوء البحر،عزلة الهدوء والبناء عزلة لإعادة مراجعة الذات، عزلة لإعادة وضع خطة جديدة بمعايير مختلفة عن الخطة الأولى بنكهة صبر ومذاق تسبيح.
نعيش بالفعل يوميا قصة يونس! صراع بين قيم وأفكار خاطئة. عقليات سقيمة ترتضي التمسك بكل ما هو خادم لمصالحها تخاف من شيء اسمه التغيير، كانت تلك اللحظة الحاسمة فكل الأفكار الخاطئة لن تكون نهايتها بالضرورة الغرق في البحر، ستكون غارقا في الجهل، في آفات اجتماعية، في حروب أهلية، أو صراعات دولية، مبدؤها الصراع بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ.
انبثقت تلك التسبيحة الراقية المملوءة بالمعاني الكونية، بلفظة التوحيد والاعتراف والتسبيح برب الوجود، بين كل ما هو موجود في الوجود، منبثقة من يونس لتخترق البحر وترتقي للسماء لتسمعها الملائكة بصوت معروف في السماء يناجي في بطن الحوت، في البحر، في الأعماق، في مكان مجهول، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
 أقررت يا يونس بخطأ فنجاك من الهلاك، أعلنت بها إكمال نضجك الدعوي، صرت الآن مستعدا لتكمل المهمة، صار له من الزاد المعرفي بعرض البحر واتساعه، ومن الهدوء بهدوء الحوت في تسبيحه، صرت منيعا ضد الرفض، ضد الصدمات، صرت النموذج الدعوي الرباني، إن في حياة كل واحد منا حوت، فلابد أن نواجهه ونتصدى له، فالنجاح في تغيير منظومة خاطئة يتطلب الصبر على المكاره وعدم استعجال النتائج.