وباء طال جميع دول العالم؛ لم يُفرق بين المتحضرة منها والمتخلفة، الغنية والفقيرة، العادلة والظالمة، بل اجتاح الجميع دون السؤال عن هوية أو أصل، دين أو عِرق، انتماء أو جماعة، يا لها من زيارة عادلة في عالمٍ انتفت عنه صفة العدل!
لكن هذه الزيارة حتمًا ستُكلف الكثير، ففيروس كورونا سيجني أنظمةً كما سيجني أرواحًا، وسيصيب أفكارًا ومعتقدات بالفشل والسقوط كما سيصيب أجسادًا بالوهن والمرض، أفكار طالما بثتها الأنظمة المهيمنة ودستها لنا عبر عقود؛ عن قوة الغرب وسطوته وحكمة سياسته ومهارة إدارة أزمته، حتى جاء كورونا وقَلَبَ المعادلة وجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة ونضع العديد من علامات التعجب..!
وأبرز هذه الأسئلة؛ لماذا تأثر العالم الغربي بفيروس كورونا أضعاف أضعاف تأثُر العالم الإسلامي به؟ رغم أن الغرب أكثر تطورًا وتقدمًا على المستوى الاقتصادي والصحي وإدارة الأزمات..!
وننوه هنا أننا بصدد مقارنة أعداد الوفيات وليس الإصابات، وإن كانت الإصابات متفاوتة أيضًا، لكن باعتبار الوفاة هي النتيجة النهائية للتأثر بالفيروس ولا يمكن التعويل عليها.
وبنظرة سريعة لمعدلات الوفيات في الدول الإسلامية، أثناء كتابة هذا التقرير، فنجد دولًا مثل الكويت وعمان وفلسطين وقطر والبحرين، لم يتجاوز أعداد الوفيات بها العشر حالات، أما بالنسبة للسعودية والإمارات ولبنان والعراق وتونس، فإن الأعداد تتراوح بين 30 إلى 100 حالة، وفي معدلات مرتفعة أكثر نجد مصر والجزائر والمغرب لم تتجاوز الوفيات 400 حالة، ولو تحدثنا عن دول إسلامية تقع بجوار بؤر الوباء؛ مثل تركيا التي سجلت حوالي 2000 حالة وفاة –وهو رقم ضئيل بالنسبة لأوروبا وأمريكا- ونجد ماليزيا التي لم تتجاوز 90 وفاة.

أما بالنسبة للغرب، سجلت أمريكا حتى الآن أكثر من 43 ألف حالة وفاة، في حين سجلت أوروبا أكثر من 100 ألف حالة، تتركز معظمها في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وبريطانيا.


أرقام خاطئة وطقس دافئ وأشياء أخرى..


وهنا يجب إيضاح نقطة مهمة بالنسبة لصحة أعداد الإصابات في الدول العربية والإسلامية، أنه لو تم افتراض عدم شفافية الدول العربية مع شعوبها فيما يخص الأرقام والإحصائيات، أو التعويل على ضعف قدرات الأنظمة الصحية في معظم الدول العربية والإسلامية على اكتشاف المرض وتسجيل الأعداد الحقيقية للإصابات، فإن كورونا لا يمكن إخفاؤه كثيرًا، حيث يظهر خلال أسبوعين، من خلال تدفق المرضى إلى المستشفيات أو ظهور الوفيات، فإذا كانت الأعداد ضخمة وغير معلن عنها لوجدنا مقابر جماعية يوميًا! لذا فيمكن أن تكون النسبة الحقيقة أعلى من الأرقام المعلنة ولكن لا تصل لأرقام ضخمة مثل الغرب، وعليه فإن مقارنة أعداد الوفيات هو أصدق وأقرب للحقيقة، وهو ما نتبعه في هذا التقرير. 
أما بالنسبة لاختلاف الطقس بين الغرب ومعظم الدول الإسلامية، وربط تفشي كورونا بالدول ذات الطقس البارد نسبيًا، وقلة تفشيه في الدول الحارة والدافئة، فهذا الرأي قد تم دحضه، حسب منظمة الصحة العالمية التي أكدت أن فيروس كورونا يعيش في المناخ البارد والرطب وكذلك في المناخ الحار، ولا يوجد دراسات تشير إلى أن الحرارة المعتدلة للعالم العربي أو غيره من الدول هي السبب في عدم تفشيه بشكل كبير، كما أن هناك دولًا عربية مثل دول المغرب العربي والشام لا تختلف درجة الحرارة فيها كثيرًا عن إيطاليا وإسبانيا. وفيما يلي نعرض أهم أسباب تفشي كورونا في الغرب أكثر منها في العالم الإسلامي..


الغرب العجوز والعالم الإسلامي الشاب..

طبقًا للإحصائيات، فإن نسبة كبار السن في أوروبا تفوق 80% من عدد السكان، أي أنهم النسبة العظمى، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية بها ما يقارب 11 مليون ممن تزيد أعمارهم عن سن 65 عامًا يسكنون بمفردهم، وكلما تقدموا في السن كلما زادت احتمالية أن يسكنوا بمفردهم ، وعلى الجانب الآخر فإن الدول العربية والإسلامية غالبيتها مجتمعات فتية، حيث أن 50% من عدد السكان نسبة أعمارهم من 14 إلى 30 عامًا. 
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن كبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة والوفاة بفيروس كورونا، كما ذكرت اختصاصية الديموغرافيا والصحة العامة جنيفر داود؛ أن معدل الوفيات أعلى بكثير في الدول التي تُعتبر شعوبها أكبر سنًا من الدول الأكثر شبابًا، وأن هناك رابط قوي بين الديموغرافيا ومعدل الوفيات فيما يتعلق بكوفيد-19، وفي الولايات المتحدة، حسب رئيسة قسم المسنين في جامعة أوهايو، هناك ما يقارب مليون ونصف مسن يقنطون في بيوت المسنين، وبالتالي كان هناك نسب إصابات ووفيات عالية في بيوت المسنين.
وفي تقرير نُشر في المجلة الطبية "جاما"، والذي فحص أكثر من 72 ألف مريض صيني أصيبوا بالفيروس، أن معدل الوفيات الإجمالي كان 2.3٪، ولكن لدى البالغين فوق الـ80 عامًا ارتفع معدل الوفيات إلى 15٪، وهذه أول الأسباب التي نُرجع إليها الزيادة الكبيرة في أعداد الوفيات بالغرب على عكس العالم الإسلامي. 


السلوكيات الإسلامية تنتصر..


إن العالم الإسلامي يحظى بعادات سلوكية ساهمت في حمايته من العدوى بالفيروس والتمكن من جسده، سلوكيات تمارسها الشعوب الإسلامية تلقائيًا لأنها نابعة من أوامر دينية، أبرزها عادات النظافة الشخصية، وانتقاء نوعيات الطعام والشراب، وبهذا أثبتت الجائحة أن تعاليم الإسلام هي لمصلحة الإنسان أولًا وأخيرًا.
ضمن استطلاع رأي عالمي أجرته مؤسسة "وين غالوب" للإحصاءات، عام 2015 على عينة من 62 ألفًا و398 شخصًا حول العالم، أظهرت النتائج أن الصين واليابان هم الأقل احتمالية في غسل أياديهم عقب استخدامهم دورات المياه، وجاءت كل من إيطاليا وفرنسا وهولندا وإسبانيا في مرتبة متدنية بالنسبة لغسيل الأيدي أيضًا عقب استخدام دورات المياه، بنسب تتراوح بين 50% و60% وفقًا لنتائج الاستطلاع، ونجد حاليًا أن كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا تحتل مرتبة الصدارة في عدد الإصابات والوفيات في أوروبا بفيروس كورونا.
لكن على النقيض، أظهرت الدراسة أنه في تركيا والبلاد العربية يغسل الناس غالبًا أيديهم بشكل تلقائي عقب استخدامهم دورات المياه. 


ولو توقفنا عند عادات النظافة الشخصية فإن أجساد المسلمين دائمًا تتقطر منها المياه؛ من الوضوء والاغتسال المستمر ووجوب النظافة كشرط من شروط العبادات والإيمان الصحيح. 


وقد قالت البروفيسورة روز أصلان، الأستاذة الجامعية في شؤون الأديان بجامعة كاليفورنيا، أنه يمكن للممارسات الإسلامية التي تؤكد على طهارة الجسم أن تساعد في التأكيد على أهمية الممارسات الصحية، للحد من إصابة الإنسان بالفيروس.
كما أن انتقاء نوعيات الطعام والشراب في العالم الإسلامي على أساس تعاليم الدين توضح لنا فارق تأثير الجائحة، منها تجنب شرب الخمر وعدم أكل أنواع معينة من لحوم الحيوانات وطرق معينة في الذبح والصيد، فحسب منظمة الصحة العالمية أن شرب الخمر يتسبب في ضعف جهاز المناعة لدى الإنسان، ونجد أوروبا بها أكبر معدل لاستهلاك الكحول بالنسبة للفرد على مستوى العالم، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
في حين تشير التوقعات إلى أن فيروس كورونا قد انتقل من خفاش أو ثعبان أو آكل نمل من مدينة ووهان الصينية، فإن هذه الحيوانات محرمة أكلها في العالم الإسلامي ولا توجد في ثقافتهم الشعبية، ووجود هذه العادات والثقافات الغذائية  في الغرب قد ساهم ولا شك بانتشار العدوى بشكل أكبر، فيقول الخبراء إن هذه الحيوانات لها فيروسات خاصة بها، ويمكن أن تقفز من نوع إلى نوع آخر، ثم تتعرض هذه الأنواع لطفرات من خلال احتكاكها بعدد كبير من الناس، لتقفز إليهم وتقتلهم في أي لحظة كما يحدث الآن.

عوامل نفسية تجعل شعوب العالم الإسلامي أقوى..


ونجنح هنا إلى عوامل نفسية منبثقة من العقيدة الإسلامية، وتصورات المسلمين عن القضاء والقدر والتوكل والرضا والجزاء والاحتساب، وهي عوامل تجعلهم أقوى في مواجهة المصائب الخاصة والعامة، ولا يهلعون ويفزعون مثل دول الغرب الذين لا يستندون على عقيدة صحيحة وفطرة سليمة، لمواجهة حياةٍ من صنع الله بأجسادٍ ونفوسٍ خلقها الله.
 وقد أثبتت دراسات أن التوتر والقلق عاملان أساسيان في ضعف المناعة عند الإنسان، مما يجعل جسمه أكثر عرضة للأمراض، على عكس الحالة النفسية الإيجابية التي تُعد نصف العلاج إذا لم تكن غالبيته.  

فالمسلم يرى أن هذا الفيروس هو مخلوق من مخلوقات الله يصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء، فهو عندئذ أرجع الأمر لصاحب الأمر فيكتسب بذلك قوة نفسية، المسلم يرى الرحمة في جميع أقدار الله، المسلم يأخذ بجميع طرق الوقاية من مُنطلق عقائدي وليس علمي ومادي بحت.


 فهو يأخذ بجميع الأسباب لكي يَصِح توكله على ربه، ثم يدعو ربه دعاء المضطر، قال تعالى "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"، المسلم إذا أصابه الفيروس سينظر أن هذا قضاء الله وعليه الصبر وأن ربه سيجازيه خيرًا على مرضه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"، فهذه الجائحة في نظر المسلمين صفقة رابحة بكل المقاييس، لذلك فنفوسهم أقوى في المواجهة، وهو ما نراه على أرض الواقع أن حالات الشفاء مرتفعة في الدول العربية والإسلامية وحالات الوفاة قليلة.
وختامًا.. فإننا نتمنى السلامة لجميع البشرية، المسلم وغير المسلم، لكن نروم بهذا التقرير، وغيره من التقارير والدراسات المشابهة، أن تظهر حقيقة الدين الإسلامي ومبادئه الصالحة لكل زمان ومكان، وأنه دين الفطرة السليمة الذي يجمع بين متطلبات الروح ومتطلبات المادة، وأنه يضع الإنسان هدفًا أول في كل أوامره ونواهيه، وأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط.