تمر الأيام والشهور والسنين، ونحن نكبر يوما بعد آخر، منا من لا يزال يعيش في عالم الأحلام، والبعض الآخر يسعى لأجل تحقيقها ويجاهد في معترك الحياة.. 

لو فكرنا في كل ما يحدث في هذا العالم من حياة وموت، ظلم واستبداد، حرية وديكتاتورية، شباب كأنهم أطفال، وأطفال في عمر الشباب، حياة بلا حياة في بقعة من الأرض، وحياة تحيا بالحياة في عالم آخر، لا شيء ثابت، لا شيء باقٍ. الجميع منشغل في عمله ودراسته وحياته الاجتماعية، القليل منا من يفكر لأجل هذه الأرض.

عين على بقعة أخرى من هذا الكوكب. لو تخيلنا أن بلادنا العربية لها كوكب خاص، وأصبحت تنافس قوى في هذا الكوكب، والكوكب الآخر الأجنبي، ترى ماذا سيحدث؟ وماذا عليك أن تفعل لأجل نفسك وأسرتك وأرضك وأحلامك، وطموحاتك؟ هل ستقف كالمشاهد لكرة القدم تراقب من سيفوز، ولا تفكر في أن تدخل نفسك إلى العالم الآخر؟ 

السؤال موجه لك عزيزي القارئ؛ كل منا اليوم يعيش لأجل أن يحيا حياة كريمة في المستقبل، فنحن نحتاج إلى المعرفة والتمعن في التفكير لنرى إلى أين ستسير بنا الحياة، نعيش اليوم في مرحلة تتباين فيها الأفكار والأحوال والأحاسيس وطرق التعبير، كل شيء يتغير ويولد من جديد، لا بد لك أن تعرف نفسك اليوم الى أين أنت ذاهب؟ وماذا عليك أن تفعل؟ أنت وحدك المسؤول عن حياتك ومستقبلك، عن نجاحك وفشلك. الحياة والظروف مهما قست عليك لا تجعلها واقع أليم يسيطر على أفكارك وطموحاتك. إذًا الى أين أنت ذاهب الآن؟ 

لحظات تأمل ودقائق صمت مبهمة. ظروف الحياة والموت. حقيقتان لابد من مواجهتهما يوما، لنتذكر أن كل أمر يحدث لنا هو بمشيئة الله، وكل أمر هو خير مهما بالغنا في حزننا وفرحنا. 

هل أنت من الذين فقدوا أرواحًا هم الآن تحت التراب؟ هل أنت من الذين يضعون اللوم في فشلهم على الأشخاص والظروف؟ أم أنك تخاف مواجهة الأيام؟

إشارة مرورية توقفت عندها، وجدت فتاة جالسة على الرصيف تخيلت أنها فتاة معدمة الحال؛ وأنا أتأمل فيها لأعطيها بعض المال فاجئتني بقولها: "أنا لا أحتاج للمال يا سيدتي" وقبل أن أسألها لماذا أنت هنا؟ قالت: "أنا هنا لأسترجع الذكريات لأجمع شتات أمري". قلت وعن أي ذكرياتٍ تتحدثين؟ قالت: " أنا الفتاة التي كانت في كل محاولة تفقد شعورا بداخلها، دقائق تمضي وتمضي ولا أحد يشعر بها." 

كانت تغمض عيناها في كل لحظة يأس تحاول أن تهرب من هذا العالم الذي سرق منها والديها، لتشرد بعمق في عالمها الخاص، كانت وهي ترى بصيص الأمل من بعيد؛ - نقطة النور التي يحاول هذا العالم منعها من الوصول إليها- تؤمنُ أنها ستصل إليها يومًا.

إن الفتاة التي فقدت والديها في دقائق مظلمة ولحظات أليمة وأيام أشبه بالكابوس؛ وهي تقول: "على هذا الطريق كانت أمي ملقاة على الأرض وأبي ينادي باسمها ولا يستطيع الحركة، كنت أنا في شبه غيبوبة لم أشعر بشيء من شدة الألم، فقط تخيلت نفسي في حلم وددت أن أنادي أمي. أبي. لعلي أراهما فأستيقظ من حلميَ الشنيع. لا أحد يرد، لا أسمع صوتهما! السيارة تحترق وأبي بداخلها، هذا ما أتذكره قبل أن أدخل في غيبوبة طويلة لأشهر عدة. 

في يوم غائم استيقظت على صوت الممرضات وألم إبرة المغذي وصوت جهاز قياس دقات القلب؛ كنت أظن أن أمي وأبي منشغلين مع الطبيب العام، وعندما سألت أين والديَ؟ ليسوا هنا؟ أم أنهم ذهبوا لشراء بعض الحاجيات لي. الجميع صامت! لا أحد يرد عليَ عندما اقول أين أمي؟ أين أبي؟ 

في تلك الدقائق وأنا أنظر في أعين كل الحاضرين، ومن شباك غرفتي نظرت للسماء شعرت أنهما هناك حيث لا ألم ولا حزن. بكيت شوقا وألما، حاولت أن أستجمع قواي لأقف من جديد في هذا العالم الغريب الذي لا شيء فيه باق. 

فهمت أن كل شيء سيزول. الموت لا يعرف صغيرا ولا كبيرا، الأيام والظروف مهما قست فنحن نستطيع مواجهتها، وأن الحياة رحلة زادها الإيمان بالله، والتوكل عليه. إن لم تعرف هذه الأمور الآن فستعرفها لاحقًا، الحياة تستلزم العدة والعتاد والإصرار والعزيمة لا مكان فيها للضعفاء، ولا مجال لإطالة لحظات الحزن والبكاء على ما مضى."

فكر الآن مالذي كنت تخاف من فعله سابقًا، رتب أفكارك، تركيزك وتذكر أن الوقت الذي يذهب لا يعود أبدًا. لا تجعل من ظروفك ووضعك المادي وحالتك الاجتماعية عائقا يقف بينك وبين أهدافك.  

عمرك وعملك اليوم هو أثرك غدا. اجعل للأمل مكانا في قلبك الذي يجب أن تحيا معه كل يوم. لا يزال في الأمة نبض باق ما دام هناك أمثالك من الذين يقرؤون كل شيء حتى النهاية.