إنّ المتأمل في اجتهادات العلماء والمفكرين يجد تمايزًا في تحديد مفهوم الحضارة، أين يكمن التمايز؟
يُجيب على هذا الدكتور مصطفى المومري في الحلقة الثانيّة من برنامج «حضاريون»، أين يعرض:
1- تعريف الحضارة.. الدولة، التحدّي، الإنتاجيّة أم التقدم؟
يستعرض الدكتور المومري آراءَ بعض المفكرين المسلمين والغربيين، في محاولة لإجلاء الفروق واستنباط خلاصات سليمة تُرشد شباب النهضة.
بداية، مع العالم الجليل ابن خلدون[1]، كأوّل من يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الحضارة، وقد تناولها في إطار ما يُسميه "بـالدولة"، من حيث قيامها وسقوطها.
«الحضارة غاية العمران، ونهاية عمره ومؤذنة بفساده.»
- ابن خلدون-
أما المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي[2] يرى أنّ الحضارة سببها الأساسي هو وجود "التحدي"[3] المُستفز الذي يستجيب له المجتمع فيصنع نهضته.
ديورانت[4] ربط الحضارة بالإنتاجيّة، أي أنّ كل مجتمع منتج، هو بالضرورة مجتمعٌ متحضر، وقد ربط الإنتاج بالموارد الإقتصاديّة، السياسية، تقاليد خُلقيّة، متابعة العلوم والفنون.
«الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي.»
أيضًا، قد ارتبط مفهوم الحضارة "بالتقدم" اللامتناهي في مُختلف المجالات، وهذا ما ذهب إليه تايلر.[5]
ختم مُقدّم البرنامج التعاريف بالتطرّق إلى ما جاء به منظّر الحضارة مالك بن نبي، حيث اعتبر تعريفه من أميّز التعريفات وأهمها على الإطلاق، فمالك يرى أنّ الحضارة مُتكاملة وأهم من العُمران المادي، لذا ربطها بمفاهيم علم النّفس الاجتماعي، وجعل من الإنسان محور التركيز والاهتمام.
2- الحضارة.. بين المدنيّة والبداوة
يعتبر الدكتور المومري هذه المصطلحات الثلاثة قابلة للاختلاف اللغوي، لكن هل بالإمكان للبادية أن تكوّن حضارة؟ وأجاب ايجابًا مع اشتراط حصول تناغم وتكافل وتحقّق قيم معينة، وتأسيس قواعد بنائية، لأن "الحضارة" عمليّة مُتكاملة ليست عكس "البداوة"، كما قد تكون "المدنية" جزء منها.
3- التقدم والتخلّف بمعيار إسلامي..
بعد عرض كلّ التعريفات السابقة، يتأكد حسب الدكتور أنّ الحضارة ليست عُمرانًا فقط، وليست مادية بحتة، لهذا ذكر الله تعالى في القرآن أممًا عظيمة حكمت الأرض وكانت من أقوى الأمم لكنها أبيدت، لأنها اهتمّت بالجانب المادي فقط.
وقد حدّد مفهوم الحضارة بمنظورٍ إسلامي، حيث رأى أنها ترتكز على القيم والأخلاق، وذكَّر بالحضارة الإسلامية التي كانت من أفضل الحضارات التزامًا بهما.
لخصّ مفهوم الحضارة وفق المعادلة التاليّة: الحضارة = [قيم] + [وسائل]، ومن خلالها استنبط الآتي:
* أمّة تعتمد على الوسائل المادية فقط هي أمة متقدمة ماديًا.
* أمّة تُراهن على قيمها وأخلاقها هي أمة متقدمة معنويًا.
* أمّة بدون قيم ولا وسائل هي أمة متخلّفة.
4- بناء الحضارة في القرآن.. بالصالح أم المصلح؟
أحصى الدكتور وجود كلمة "صالح" مائة وإثنين وثلاثين مرّة، وهو صالحٌ لنفسه، يجدّ نتيجة صلاحه في الآخرة، أما الحضارة مقرونةٌ في القرآن "بالإصلاح"، فهيّ مبنيّةُ على "المُصلّح"، وورد في القرآن ارتباط إعمار الأرض بالإصلاح، وفساد الأرض بعدم الإصلاح: (( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.))[6]
[1] هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (1332-1406) ، كان مؤرخًا وعالمًا تاريخيًا، وهو رائدٌ في التخصصات الحديثة لعلم الاجتماع والديموغرافيا، اشتهر بشكلٍ كبيرٍ بسبب كتابه “مقدمة ابن خلدون”، نفس الكتاب الذي استعان به الدكتور المومري.
[2] أرنولد تويني (1889-1975)، مؤرّخ بريطاني، يُعتبرُ أحدثَ وأهمَّ مُؤرِّخ بحَثَ في مَسألة الحضارات بشكلٍ مُفصَّلٍ وشامِل.
[3] نظريّة الاستجابة والتحدي، والتي تُعتبر كنموذج تفسيري لنشوء الحضارات.
[4] ويليام جيمس ديورانت، (1885 - 1981) فيلسوف، مؤرخ وكاتب أمريكي من أشهر مؤلفاته كتاب "قصة الحضارة".
[5] إدوارد بيرنت تايلور (1832-1917)، هو أنثروپولوجي إنگليزي ومؤسس الأنثروپولوجيا الثقافية.
[6] سورة الأعراف، الآية 85.