في السياسي كما في الدعوي، في الإعلامي كما في الثقافي، في الأسرة كما في المجتمع: عباقرة وأغبياء، أحرار ومرتزقة، مرغبون ومنفرون، صادقون وكذبة، فقهاء وجهلة، وعند جهينة الخبر اليقين كما تقول العرب، وفيما أسرد لكم مرايا وشواهد فيها ضحك، لكنه كالبكاء! 

لعل من أروع الاجابات العبقرية والإبداعية في مجال الحراك الدعوي التي قرأتها مترحّما على قائلها، تلك الجملة التي ردّ بها صاحب كتاب "فقه السيرة "الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على شاب سأله: "ما حكم تارك الصلاة يا شيخ؟" وكان الفتى المتحمس ينتظر مثلا "لا يصلى عليه إذا مات"، "لا يدفن في مقابر المسلمين"، أو "تُسْبَى زوجته "، أو" لا تزوّجوه "، "لا تسلّم عليه"، إلى آخر قائمة ما تعرفون، لكن الشيخ الفهيم الفقيه المسكون بهمّ الدعوة الغيور حقا على دين الله، وارث الرسول صلى الله عليه وسلم، البصير بالواقع الاجتماعي للمسلمين، فاجأ الفتى السائل بقوله: "حكمه: أن تأخذه معك إلى المسجد، ليباشر ويمارس الصلاة"، فبُهِتَ الذي سأل، وبينه وبين نفسه، نعت الشيخَ "بالمُنبطح"وشطب اسمه من قائمة العلماء والشيوخ التي يحتفظ بها في ذاكرته. 

هذا الفتى قد يكون هو نفسه بطل الواقعة التي تقول أن امرأة غربية رغبت في الإسلام فأسلمت، ولكنها إرتدت مباشرة بعدما أفتاها أحد الأغبياء بضرورة التخلي عن كلبها لأنه يطرد الملائكة من بيتها! وأنه لا يجوز كسبه ولا صحبته، ويعتبر الكلب عند المرأة الغربية من أغلى مقتنياتها، فيأتيها أخرق يشترط عليها الانفصال عن كلبها الذي تنفق عليه أكثر مما ينفق هو على عياله إن أرادت الإسلام. فيمنحها بجهله فرصة لتلعن الإسلام والمسلمين ما دام الأمر يمس كلبها.  

وذلك المندس في سلك الواعظين، الذي تصدر المصلين يوم جمعة قبل صعود الإمام للخطبة ليعظهم ويذكرهم بزهديات البيت النبوي فيفسر قول أمنا عائشة رضي الله عنها: "يمر الهلال والهلالان ولا يوقد في بيت رسول الله نار، إنما نعيش على الأسودين التمر والماء ". قال: انظروا يا من ملئتم البطون ويا مترفون كيف أن أمكم عائشة من شدة الجوع وقلة الطعام تصاب بالحَوَل في عينها، حتى أنها ترى الهلال هلالين من ضعف بصرها بسبب قلة الأكل المطبوخ؟ وما درى العييّ أن العرب تعبّر عن الشهر بالهلال، وقولها يمر الهلال والهلالان أي يمر الشهر والشهران. 

من ذلك، من تراهم يهرولون من أستوديو إلى آخر ليملأوا الشاشات بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة، وينبروا في تصنيف الناس إلى رجعي وتقدمي، ووطني وعميل، ومناضل وإرهابي، وظلامي وحداثي، وديمقراطي وديكتاتوري، ثم يمنحوا أنفسهم ما يشاؤون من الألقاب ليظهروا بوجه "المخلّص الملهم" الذي يمثل غيابه عن المشهد السياسي وعن الفعل الحكومي خسارة وطنية لا يجب أن تحصل، وإن وقعت فنتيجة تآمر أطراف حزبية ودولية! 

وذلك الذي إذا خانه حظه الانتخابي وتقيّأه المجتمع لرداءة هضمه وسوء مذاق طعمه، تراه يتاجر بالدماء وبكفاف المعوزين، ويحفظ من أسوام الخضروات أكثر مما يحفظ من تاريخ وطنه!